هذه ليلتي

هذه ليلتي

أعدّ الضحايا كلّ ليلةٍ... لأنام

ليلة البارحة... ركضت وولديّ الإثنين  عندما أخبرونا أن القرية محاصرة.
كنت أرتدي جلابية ولا أعلم تماماً ما الذي أتى بها على جسدي، كانت تعيقني في كثير من الحركات... ابني الأكبر استمر متمسكا بها بقوة ونحن نركض، وابني الصغير الذي كنت أحمله اختار أن يخبّئ وجهه في عنقي.
عندما وصلت نهاية الطريق المؤدّي للحقول المجاورة،
رأيت ما كنت أخافه.
كانوا قد بدأوا تقدّمهم البطيء الثقيل باتجاه كل مخارج البلدة. الغريب أنهم  بدوا صغاراً يلبسون كطلاب المدارس الثانوية بدلات عسكرية ويمكسون أسلحتهم بقوًة.  
ضممت أولادي ورجعت بسرعة، اختبأت في مدرسة كبيرة فارغة إلا من بعض المختبئين بين زواياها هنا وهناك. كنت أسمع لهاثهم المرتجف دون أن أراهم.
أنا دخلت حمًام المدرسة... رأيت غطاءً خشبياً على الحائط. فتحته بسرعة. العمق غير كافٍ ليتًسع لواحد من أبنائي.
على الأرض لمحت سكيناً. خفت كثيراً، تناولتها وخبأتها خلف كرسي الحمام،
علمت أن نهايتنا اقتربت وأنّي لن أستطيع إنقاذ الأولاد،
تمنيت أن يكون الحلم مرنا قليلا، كأن يكبر الفراغ خلف الغطاء الخشبي، او يتحوّل ولداي لفراشات، أو حتى أن أحطًم أنابيب الصرف الصحيً وأخبّئهما هناك... الحلم كان قاسياً، قاسياً جداً، لدرجة أنًه
تكسّر مع أول ندهة من ابنتي في الصباح
(ماما... التياب كلا بالغسيل، شو بدي البس؟)

*************

ذهبنا الليلة إلى شاطئ اللاذقية
أنا وابنتي وصديقاتها البوسنية والكامبودية والألبانية
الطقس جميل ولا عصافير (تزقزق)
ألملم ما تبقى من أشيائنا المرمية لنعود إلى أوطان اللجوء،
يستوقفني رجل الأمن (ما غيرو)
يطلب أوراقي… لا جواز لدي أو هوية،
يقول تعالي معي… أعطي أشيائي لابنتي وأشير لها بتواطؤ أن تهرب من هنا،
يستحضرني مثال أمي (مين ما قلها هشي بتقلو مشي)
فأمشي معه...
غرفة التحقيق مرتبة كفيديوهات داعش،
أنا غير مصدًقة بعد... صوت الخوف من قلبي مسموع...

(هل سيستطيع الجميع الهرب من الشاطئ الأزرق؟) أفكر وألعب بأصابع يدي…

يسألني بصوت جاف: ماذا كنت تفعلين هنا؟
اتمعًن أكثر بالجلد المحيط بأظافري... ويسألني ثانية: ماذا كنت تفعلين هنا؟
أبتسم وأفكر في نفسي… (لا حنين لدي لصوت حنجرتك الشائكة...
لا شوق لي لرائحة الخراء في الرأس)... أضحك،
يعيد السؤال... أجيب مبتسمة ببراءة:
كنت أهرب من كابوس البارحة…

 

فنّانة سورية