من مُعَنَّف إلى مُعَنِّف: عندما تُكسَر الفتحة
كان عليّ مغادرة لبنان وثورته لحضور صفوف الماستر بعلم النفس عن الصدمات النفسية في بريطانيا لعدّة أيام.
رفاقي في الصّف كانوا يسألونني عن الأوضاع في لبنان، فهم سمِعوا الكثير عنها عبر الإعلام.
خلال شرحي أن بعض العنف يحصل من قبل مواطنين يقومون بالدفاع عن السياسيين التابعين لهم، علّق أحد الرفاق: "هذه الحالة تشبه العلاقة بين المرأة المعنَّفة وزوجها أليس كذلك؟"
اخذنا نتعمَّق بالمحادثة محاولين فهم الحالة بطريقة أفضل.
وهنا تلخيص لحديثنا.
النقاط الأساسية عند شرح العلاقة بين المرأة المعنَّفة وزوجها المُعَنِّف:
١- يؤذيها لفظياً، جسدياً، جنسيا او/وعاطفياً.
٢- يعترف بأخطائه ولكن دائماً يجد تبريراً لها.
٣- لا يقوم بتعنيفها طوال الوقت، يعطيها بين الحين والآخر بعض الحب والذي هو حق أساسي في هذه العلاقة.
٤- يُفسِّر أن هذا الأذى الذي يصيبها هو لمصلحتها.
٥- يُظهر لها ان وجوده يبقيها بأمان وان العالم الخارجي مجهول ويشكل خطراً عليها.
٦- تَقتنِع انه يحاول بأقصى جهده لجعل الأمور أفضل لأنه يُحبها.
وعند النظر الى العلاقة بين السياسي اللبناني والمواطن، نلاحظ ما يلي:
١- يُشكِّل كل سياسي جزء من نظام فاسد لا يؤمِّن الإحتياجات الأساسية للشعب.
٢- يعترف بعدم القيام بتغيير ايجابي في البلاد ولكنه يُبرِّر أخطاءه عبر القاء اللوم على الأحزاب الأُخرى التي لا تسمح له بالعمل كما يريد.
٣- لا يقوم بحرمان الشعب بشكلٍ كامل، يعطيه بين الحين والآخر بعض المنافع التي يجب أن تكون مؤمنة ومضمونة له لولا النظام الفاسد (عمل، دعم قضائي...).
٤- يُفسِّر أن أفعاله هي وسيلة لحماية المجموعة (طائفياً، مناطقياً...) وان هذا الهدف السامي يستحق التضحية.
٥- يُدخل السياسي فكرة التعرض المستمر للخطر راسماً نفسه المخلص والحامي رابطاً عدم وجوده بالمجهول والفراغ.
٦- يقْتنِع المواطن أن السياسي يحاول بأقصى جهده لجعل حياته أفضل لأنه يهتم لأمره.
إذا بحثنا بشكلٍ عميق في العلاقتين، نرى أنه رغم القوة والذكاء والطاقة والمعرفة، يظلّ المواطنون يقعون في فخ المدافعة عن سياسي يقوم بإيذائهم وتدمير مستقبلهم؛ تماماً مثل المرأة المتعلمة التي تواجه العالم بقوتها وطاقتها ولكن تقع في حب رجل معَنِّف.
لتوصيف العلاقة بين المواطن والزعيم، نجد العديد من المصطلحات ومن أكثر ما هو متعارف عليه تعبير "الخروف الذي يلحق بالقطيع" ولكن هذا لم يكن ضمن خياراتي. فهؤلاء الأشخاص ليسوا بحمقى، لديهم أسبابهم وعلينا فهم الآليات المعقّدة لهذه العلاقات لنستطيع التواصل معهم. فَلَوْم صديقة معنَّفة على خياراتها ونعتِها بالغبية لا يخولنا توقُّع منها ترك زوجها.
أخيراً، أود الإشارة الى أن العلاقات بين المواطنين والقادة هي علاقات موروثة عبر الأجيال غير مقتصرة على الأفراد بل تتبناها مجموعات لديها نفس الخصائص وبالتالي تؤدي إلى ارتباط أعمق.
الترجمة من الإنكليزية: أنطوانيت سعادة