وقع كورونا على عاملات المنازل في لبنان: من العزل الى الحجر

Middle East Monitor

وقع كورونا على عاملات المنازل في لبنان: من العزل الى الحجر

في شهر نيسان، رمت عاملة نيجيرية قدمت الى لبنان منذ ثلاثة شهور بنفسها من الطابق الثالث، أصيبت بكسور، تم نقلها الى المستشفى. كانت تعاني من اضطرابات نفسية بحسب ما أظهره التحقيق الذي طالبت به كفى. بعد مرور أسبوع على وجودها في المستشفى، لم يعد بإمكانها البقاء لأن شركة التأمين توقّفت عن التغطية وليس هناك من مؤسسة أو جمعية قبلت التكفّل بها، إذ أن فاتورة الإستشفاء في المستشفيات الخاصة عالية جداً والمستشفيات الحكومية مجنّدة لاستقبال حالات الكورونا. بقيت أربعة أيام إضافية على نفقة كفى، عادت بعدها الى منزل الكفلاء في انتظار أول طيّارة تقلّها الى بلدها.

في الشهر ذاته، عاملة أخرى نيجيرية أيضاً، وجدت جالسة نصف عارية على الرصيف في أحد الشوارع في بيروت، اتّصل من رآها على خط الدعم في كفى، كانت بحالة نفسية سيئة جداً.

في نيسان أيضاً وأيضاً، إنتشر إعلانان لبيع عاملتين، الأول هو لـ"عاملة منزلية من جنسية أفريقية (نيجيريا) للبيع مع إقامة جديدة وأوراق قانونية كاملة. العمر 20 سنة، نشيطة ونظيفة جداً"، والثاني هو لـعاملة "أثيوبية، مع إقامة، تتكلّم اللغة العربية، بـ 2250000 ليرة لبنانية".

وكان ابتدأ شهر الحجر بانتشار فيديو لعاملة تحاول أن تهرب من بيت مستخدميها، خرجت على الشرفة وبدأت تتدلّى من طابق لآخر.

جاء وقع وباء كورونا مزلزلاً على فئة عاملات المنازل المهاجرات في لبنان. إذ به اكتمل الطوق عليهنّ. وما شهدناه في الشهر الأخير ما هو إلاّ عيّنة قابلة للازدياد إذا لم يتمّ اتخاذ إجراءات سريعة.

فهنّ يعشن أصلاً في ظلّ نظام الكفالة بعزلة ومحرومات من حقوقهنّ الخاصة الأساسية كالحق في التنقّل وفي تغيير العمل، وجاء الإنهيار الإقتصادي منذ بضعة أشهر ليزيد من معاناتهنّ وهشاشتهنّ وتكلّل بفرض الحجر الصحي منذ منتصف آذار.

الأزمة الإقتصادية وانعكاسها على العاملات

منذ ما يقارب الخمسة شهور ومع بداية الإنهيار الإقتصادي، خسر الكثير من الناس أعمالهم. جزء كبير منهم هم في المقابل أصحاب عمل للعاملات ولم يعد بمقدورهم تأمين أجورهنّ بالدولار. تجدر الإشارة هنا الى أن العديد من الكفلاء، حتى حسنو النيّة بينهم، لا يدفعون في الأصل، أي في الظروف العادية، أجور العاملات لديهم بشكل دوري، "خوفاً من أن يهربن". مع بداية الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة في البلد، أصبح الإمتناع عن الدفع أمراً واقعاً.

في تلك الفترة، تدفّقت على السفارات طلبات العودة بالآلاف وقد تمّ ترحيل مئات العاملات من أصل حوالي الـ 250000 عاملة منزلية مهاجرة متواجدة في لبنان بحسب التقديرات العامة المتعارف عليها.

دعت وقتها كفى الجمعيات والسفارات المعنية بعاملات المنازل وممثّلات عنهنّ، الى اجتماع لتقييم إرتدادات الأزمة المالية على وضع العاملات واقتراح الخطوات العملية الممكن اتّخاذها للتخفيف من المآسي التي قد تنتج لهذا العدد الكبير من العاملات المتواجدات في دولة مفلسة وعاجزة عن تأمين الحماية لهنّ.

تقدّمت كفى بعدها الى الأمن العام بالمطالب التي نتجت عن هذا الإجتماع، وهي تسهيل سفر العاملات اللواتي لم يعد يناسبهنّ البقاء في لبنان وخاصة اللواتي يتقاضين أجر عملهنّ على الساعة، وذلك عبر إعفائهنّ من دفع الغرامات الناتجة عن كسر الإقامة وعبر الإمتناع عن توقيفهنّ كونهنّ خالفن نظام الإقامة. جاء جواب الأمن العام بأنه سيتّخذ إجراءات فورية لتسفير العاملات وذلك عبر تغريمهن عن سنة واحدة فقط مهما كانت الكسور والامتناع عن توقيفهنّ إلّا في حال وجود دعاوى جزائية بحقهّن. وقبل تبليغ قرار الأمن العام رسمياً، انتشرت الكورونا وأغلق المطار.

لم يعد بمقدور العاملات اللواتي يسكنّ في منازل كفلائهنّ واللواتي انتهت عقود عملهنّ وهنّ يمثلّن الفئة الأولى من العاملات، أو اللواتي يتقاضين أجرهنّ على ساعة العمل ويمثلن الفئة الثانية، مغادرة البلد.

وقع كورونا على العاملات

كما ذكرنا سابقاً، منذ بداية الأزمة الإقتصادية وشحّ الدولار وارتفاع سعر الصرف، هناك نسبة شبه كاملة من عاملات المنازل من الفئتين الأولى والثانية، لا يقبضن أجورهنّ بالدولار، وإن قبضن بالليرة اللبنانية، يكون الأجر بسعر الصرف الرسمي وليس المتداول في السوق، وبالتالي، يقبضن أقل بكثير من السابق مع تدهور العملة الوطنية.

بالنسبة للعاملات اللواتي يسكّن في منازل أصحاب العمل، هم، أي أصحاب العمل وبسبب الحجر، مقيمون في المنزل ليلاً نهاراً، وهذا يعني عملاً إضافياً ملقى على عاتق العاملة وساعات عمل إضافية. كما أن معاناة العائلات اللبنانية في هذه الظروف ترتدّ بشكل أو بآخر على العاملة. في ظل نظام الكفالة وفي الأيام العادية، لا يمكن معرفة ظروف العمل داخل الأبواب المغلقة والموصدة وما إذا كانت العاملة تتعرّض لعنف، فكيف في هذه الأزمة.

تجدر الإشارة هنا الى أن العديد من الإتصالات التي تردنا على خط الدعم في كفى المخصّص للنساء ضحايا الإتجار، هي من أرباب عمل يبلّغون عن عاملات منازل حاولن الإنتحار، أو حاولن رمي أنفسهنّ من الشرفات، أو يُخبرون عن وضع نفسي صعب تعاني منه العاملة ولا يعرفون كيف يتصرّفون معها. ومنهم  من يسأل ماذا يمكن فعله بموضع الأجور وهم لا يملكون دولارات وعاجزين عن دفع بدل الدولار حسب سعر السوق. كما أن هناك إتصالات تردنا من أفراد شاهدوا عاملات في الشارع في وضع نفسيّ سيئ للغاية.

من خلال متابعتنا لوضع عدّة عاملات، تبيّن أنهنّ يعانين من إضطرابات نفسية تصل الى حدّ الهلوسة ومحاولات الإنتحار.

 ما العمل في هذه الحالة؟ نحن أمام حائط مسدود. الإستشفاء يصعب جداً تأمينه كما ذكر سابقاً. الأطباء النفسيين الشرعيين لا يتنقّلون للكشف على العاملة بسبب الحجر المنزلي. المآوي الموجودة لا تستقبل أشخاصاً جدداً في المرحلة الحالية، وتحديداً إذا كانت العاملة تعاني من إضطرابات نفسية، لأن ليس هناك فريق متخصّص لمثل هذه الحالات.

ماذا فعل بعض أرباب العمل الذين لم يعد بمقدورهم دفع مستحقات العاملة أو الذين لم يعد يريدون أن تبقى في منزلهم وتعمل لديهم؟ منهم من لجأ الى طرق غير أخلاقية وغير قانونية، إذ وضعوا العاملة في الشارع، وقدّموا بلاغاً من بعدها بأنها هربت للحد من مسؤوليتهم، وآخرون أعلنوا بيعها.

رداً على إعلانيّ بيع انتشرا على مواقع التواصل الإجتماعي، أرسلت كفى إخبارين لوزارة العمل ولمكتب مكافحة جريمة الإتجار بالأشخاص في قوى الأمن الداخلي. وبعد فتح تحقيق بالموضوع، قالت صاحبة الإعلان الأول بأنها لم تضعه بنيّة البيع بل هو كان طريقة لإيجاد كفيل بديل. وهنا، بمعزل عن حسن أو سوء نيّتها، نعود الى نظام الكفالة الظالم ليس فقط وبشكل أساسي بحق العاملات بل أيضاً بحق أصحاب العمل. من جملة مساوئه، أنه لم يلحظ أية آلية لفسخ العقد بالطرق الطبيعية، وهو بالتالي يفتح الباب أمام هكذا إعلانات. في الظروف العادية، إذا أراد أحد الطرفين فسخ العقد، يحصل ذلك من خلال تنازل من صاحب العمل لصاحب عمل ثان، وتنتقل مع هذا التنازل "ملكية" العاملة من شخص لآخر.

بعدما طالبت كفى وزارة العمل بإصدار تعميم حول عدم قانونية هذه الإعلانات، أصدرت الوزارة أخيراً تعميماً حذّرت فيه أصحاب العمل من هكذا تصرفات تحت طائلة إتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق المخالفين.

بالنسبة للفئة الثانية من عاملات المنازل، اللواتي يعشن في بيوت يستأجرونها ويعملون في الساعة، هنّ أصلاً وضعهنّ غير قانوني، إذ أنهنّ في أغلبهنّ يكنّ تركن منازل كفلائهنّ. وهنّ مسؤولات عن معيشتهنّ اليومية ومسكنهنّ. بعد الحجر المنزلي، توقّف أو خفّ عملهنّ وبالتالي بتن عاجزات عن دفع الإيجار وتأمين قوت يومهنّ وطبابتهنّ، خاصة وأن وزارة الصحة لا تغطّي طبابة الأجانب وليس لديهّن أي ضمان صحّي. كما أنهنّ بأغلبيتهنّ، يسكّن في مناطق مهملة وفي مساكن مكتظّة، وذلك لا يقيهنّ من المرض.

الخدمات التي تقدّمها كفى

تستمر كفى في تقديم الدعم القانوني والإجتماعي للعاملات اللواتي يصلن الى مركزنا ويكنّ ضحايا عنف واستغلال. وقد خصّصنا ضمن قدراتنا المحدودة ومواكبة لأزمة كورونا، بدلاً معيشياً للعاملات اللواتي نستطيع الوصول إليهنّ. كما أننا بطور توقيع إتفاق مع مستشفى Hotel Dieu في بيروت لإجراء فحص الكورونا للعاملات المنزليات، وبحسب النتيجة، يحوّلن الى مستشفى حكومي، أو نستقبلهنّ في مكان صغير خصّصناه لاستقبال الحالات الجديدة لمدّة تتراوح بين الـ 15 يوماً والشهر، الى حين نقلهنّ على مأوانا المخصّص لضحايا الإتجار بالبشر ومتابعة التحقيقات مع المخافر.

التوصيات

في ظلّ هذه الظروف، ومهما كان حجم الخدمات والمساعدات التي تقدّم، فهي تبقى محدودة مقارنة بحجم المشكلة، وهناك خوف من ازدياد حالات التشرّد على الأرصفة والإضطرابات النفسية ومحاولات الإنتحار والعنف ضدّ هذه الفئة العمّالية. لذلك على وزارة العمل تفعيل الخط الساخن لاستقبال شكاوى عاملات المنازل بعدّة لغات تسهّل عليهنّ الإتصال والتواصل.

يجب أيضاً تنظيم رحلات خاصة وأخذ إجراءات فورية لإعادة قسم من العاملات الى ديارهنّ بالتنسيق مع سفاراتهنّ، والبدء الفوري بالتفكير بنظام بديل يحمي حقوق العاملات وأصحاب العمل في الظروف العادية ويخفّف من وقع حدّة الأزمات عليهم في الظروف القاهرة.