بعد سنوات من تهميشها.. "كفى" تؤرشف ذاكرة الحرب كما ترويها النساء
أعمال كثيرة وثقت ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، لكنها لم تفتح المجال لرواية المرأة ولم تحكِ عن الحرب من منظورها ولم تبحث في تأثيرها عليها، إنما اكتفت برواية الرجل ووثقت ذاكرته هو. انطلاقاً من هذه القراءة، وتماشياً مع سعيها لخلق مجتمع خال من البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأبوية، أطلقت "كفى" مشروعها "التاريخ الشفوي والتعامل مع الماضي: الحرب الأهلية اللبنانية من منظور جندري".
وكما يوضح اسمه، يتعامل المشروع مع ذاكرة الحرب الأهلية من منظور جندري، ويسعى لتوثيق ذاكرة النساء كي لا تظل الرواية ناقصة من دونها. ويؤرشف أيضاً شهادات نساء عايشن تلك المرحلة وعانين منها، ويشكلن "الجيل الأول" وتتراوح أعمارهن بين 55 عاماً وما فوق. كذلك يفتح المشروع المجال أمام نساء من جيلين لاحقين ليحكين عما عرفنه عن تلك الحرب، الجيل الثاني، وتتراوح أعمار المشاركات بين 25 و55 عاماً، والجيل الثالث من طالبات الجامعات اللواتي يبلغن 25 عاماً وما دون.
وإضافة إلى التوثيق، يسعى المشروع للمصالحة وبناء السلام بين هذه الأجيال الثلاثة من النساء، واستند إلى سلسلة مقابلات أجريت مع المجموعات الثلاثة، ويهدف إلى إحياء ذاكرة النساء لتوثيقها في ذاكرة لبنان وأرشفتها. إذ وبقدر ما همشت رواية النساء خلال الحرب وبعدها باتت المرأة أيضاً ترويها من منظار الرجل، في معظم الأحيان، الزوج أو الأخ أو الزعيم ...
وعمل المشروع على تحفيز ذاكرة هؤلاء النساء من خلال اختيار وطرح الأسئلة المتعلقة بهن وبتأثير الحرب عليهن. ودارت خلال الجلسات نقاشات تتعلق بدور المرأة خلال الحرب ومعاناتها في تلك المرحلة، وهو ما حثّ المشاركات للحديث عن الحرب من منظورهن.
كذلك، فتح المشروع مساحات للنقاش بين الأجيال الثلاثة من النساء. فبدا الجيل الأول وكأنه معزول عن الجيلين الثاني والثالث، حيث لم تنتقل روايته إليهما، وكأن روايته قد غابت بفعل قانون العفو ومحاولة إنهاء الحرب من دون محاسبة مرتكبيها والتستر على فظائعها. وبدا لافتاً أن معظم طالبات الجامعات لا يعلمن بنضالات النساء اللواتي سبقنهن، حيث لم يستندن إلى أي امرأة كمصدر لذاكرة الحرب.
بالمقابل، أظهرت شهادات النساء وجود نضالات مشتركة تجمع الجيلين الثاني والثالث.
ورغم هذه الهوة بين الأجيال، فقد أجمعت جميع النساء على أن المرأة في لبنان عانت من التمييز خلال الحرب وأنها ما تزال تعاني منه إلى اليوم رغم أنها باتت أكثر وعياً وإدراكاً لحقوقها.
ومن بين النقاط الهامة والتي تدعو للتوقف عندها، برز موقف الجيل الثالث من قانون العفو. فبداية اعتبرت معظم المشاركات أن قانون العفو كان ضرورياً لإنهاء الحرب. لكن موقف العديد من الشابات من هذا القانون تغير بعد أن طرح نقاش حول الجرائم التي ارتكبت بحق الفتيات والنساء وكيف أن قانون العفو قد سامح كل الجناة.
وتؤكد الشهادات والنقاشات والآراء التي طرحت على ضرورة اعتماد النهج ذاته الذي اتبع في هذا المشروع خلال توثيق وتأريخ ذاكرة لبنان، ومعالجة أي حدث من منظور جندري. إذ يشكل تهميش ذاكرة النساء تغييباً للكثير من الحقائق، ويمنع قراءة الأحداث بشكل موضوعي. وهو ما يعيق اعتماد سياسات وسن قوانين أكثر عدالة لصنع غد أفضل وتخطي الماضي وتجنب الوقوع في أخطائه من جديد.