آن الأوان لإقرار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء
في كل عام، تتجدّد حملة الـ 16 يومًا العالمية لمناهضة العنف ضد النساء، لكن في لبنان، تتجدّد معها مظاهر الإنكار الرسمي لوجود هذا العنف أساسًا.
فحتى اليوم، لم تعترف الدولة اللبنانية بشكل واضح وصريح بأنّ العنف ضد النساء قضية وطنية تستوجب تحرّكًا مؤسساتيًا شاملًا وجادًا.
هذا الإنكار الممنهج، الذي يتجلّى في غياب السياسات الوقائية والحمائية، ليس سوى تعبير عن انفصال عميق بين مؤسسات الدولة والواقع الذي تعيشه النساء يوميًا.
فالنساء والفتيات ما زلن يواجهن أشكالًا متعدّدة من العنف الجسدي، والجنسي، والمعنوي، والاقتصادي، في ظلّ غياب تشريع كامل لمكافحة هذا العنف.
المؤشرات الواقعية تؤكد أنّ العنف ضد النساء والفتيات ظاهرة اجتماعية ممنهجة تحتاج إلى مواجهة سياسية وتشريعية جذرية، لا إلى تبرير أو تجاهل.
ففي مراجعة سريعة لأداء مجلس النواب مع قضايا النساء، نجد أنّ النساء هن من طالبن بالحماية من العنف الأسري، فقام المجلس النيابي بحماية كافة أفراد الأسرة من العنف دون تخصيص النساء بآليات حماية، محاولًا إظهار أن العنف الممارس بحق النساء لا يختلف عن أي عنف يمارس على سائر أفراد الأسرة، متجاهلًا علاقات السلطة غير المتوازنة داخل الأسرة.
كما طالبن بتجريم التحرّش الجنسي، فجاء القانون ليجرّمه بشكل عام، من دون الاعتراف بأنّ النساء هنّ الضحايا الرئيسيات لهذه الجرائم، بذريعة المساواة الشكلية التي تلغى عمليا حين يتعلّق الأمر بالمساواة في الحقوق داخل قوانين الأحوال الشخصية.
بالعودة إلى الواقع، تشير الأرقام إلى أنّ 89% من شكاوى الخط الساخن 1745 لدى قوى الامن (الخاص بالعنف الأسري) تعود إلى نساء، وأنّ 57.5% من الحالات يكون فيها الزوج هو الجهة المعنّفة، تليه نسبة لافتة من الذكور في العائلة اي الآباء، والاخوة والأبناء والطليق.
هذه الأرقام لا تعبّر عن “مشكلات عائلية”، بل عن بنية سلطوية تُكرّس السيطرة الذكورية وتبرّر العنف ضد النساء.
من هنا، فإنّ مطلب إقرار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء ليس ترفًا ولا رفاهية، بل ضرورة وطنية عاجلة.
قانونٌ يوفّر حماية متكاملة للنساء في المجالين الخاص والعام، ويقوم على ركائز أساسية هي:
- الوقاية من العنف عبر التوعية والتعليم والإعلام والغاء القوانين التمييزية.
- الحماية من خلال آليات فاعلة وسريعة للاستجابة والدعم.
- الملاحقة والعقاب للمعتدين عبر مسار قضائي متخصص وعادل.
- التعويض والتمكين للضحايا، وضمان إعادة إدماجهن اجتماعيًا واقتصاديًا.
العنف ضد النساء ليس قضية “خاصة”، بل قضية سياسية ووطنية، تعكس نظرة الدولة إلى نسائها كمواطنات لهنّ الحق في الأمان والكرامة والمساواة الفعلية.
إنّ صمت السلطة تقصيرٌ، والتقصير تواطؤ مع العنف المرتكب.
بمناسبة حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء، نؤكّد أنّ العنف ليس قدرًا، بل نتيجة مباشرة لغياب الإرادة السياسية.
لقد آن الأوان لتصحيح هذا المسار.
#عيب
أقرّوا القانون الشامل لمناهضة العنف ضد النساء في السلم والحرب.