المواطنية والحقوق بدل التابيروار والزهور
"أمك تضع لك الطعام في التابيروير مذ كنت طفلاً، الآن هو وقت إعادة الجميل. اشترِ لها تابيرويراً واملأه بالزهور الطبيعية، وعندما تذبل، يصبح التابيريور كلّه لها لتحتفظ به"، على ما جاء في إعلان جديد لعيد الأم. الزهور يتضاعف سعرها في شهر آذار، وحسومات على مستحضرات تجميل ومجوهرات وغيرها، وعروضات على أدوات المطبخ والإلكترونيات، من طنجرة الضغط الى الهوفر والغسالة. كما يرافق هذه العروضات أغان وشعر ومديح بالمرأة، "الإبنة والأخت والزوجة"، وتبجيل بالأم.
يُفتتح شهر آذار هذا بـاليوم العالمي لحقوق المرأة (وليس بـ "يوم المرأة" كما يحلو للبعض تسميته) ويُختتم بعيد الأم. وخلاله، تتتالى الإحتفالات بالنساء وبالأمهات لإيهامهنّ بأنهنّ محظوظات ومكرّمات، وتتدفق العواطف والهدايا لتحويل الإنتباه عن كون النساء مواطنات من الدرجة الثانية.
فبدلاً من أن يتمّ الإعتراف بمواطنيتهنّ أولاً وبحقوقهنّ وبدورهنّ الإجتماعي والسياسي، يتمّ إغراقهنّ بالورود والغسالات والطناجر.
الهدايا الحقيقية هي الاستحصال على الحقوق البديهية، وتبدأ بالحق في الحياة والأمن والحماية من العنف، وصولا الى الاعتراف بمواطنية وأهلية الأمهات.
الجنّة تحت أقدام الأمهّات... ولكن
النظام القائم يطلب من النساء إنجاب "مواطنين" ولا يقدّم لهنّ شيئاً في المقابل بل على العكس. عليهنّ تحمّل الأعباء لوحدهنّ من دون أن يتمتّعن بأي حقّ لا خلال العلاقة الزوجية ولا عند فكّها.
فبالرغم من "أن الجنّة تحت أقدام الأمهات" كما يرددون، لكن في القانون، الأب وحده هو صاحب الولاية على الأولاد وأموالهم. وهي، ليس فقط لا يمكنها منح الجنسية اللبنانية لأولادها في حال تزوجت من أجنبي، بل هناك ما هو أبسط وبديهي أكثر وليس لها الحق بممارسته.
فالأم لا يمكنها الحصول على إخراج قيد للأولاد أو أن تحمل هوية أو أوراق أولادها الثبوتية الا في حال سمح الزوج بذلك، وقد صدر منذ فترة قرار إداري يسمح للأم بالإستحصال على إخراج قيد لأولادها خلال العلاقة الزوجية أو في حال الطلاق، لكن الأمر لم يتجاوز الإجراء الإداري ولم يرتقِ ليصبح حقاً معترفاً به قانوناً. ويقاس على ذلك أمور كثيرة، فالأم أيضاً لا يمكنها فتح حساب لأولادها في البنك، حتى اختيار المدرسة أو المستشفى ليس حقاً قانونياً لها، فهي تمارسه في حال عدم اعتراض الأب.
في شهر آذار الإحتفالي هذا وفي كل أشهر السنة، هناك الكثير من الأمهات لا يستطعن مشاهدة أطفالهن أو يُنتزعون منهنّ بالقوة. وقد تتالت منذ أشهر فيديوات تصور انتزاع أطفال من أحضان أمهاتهنّ تنفيذاً لدعاوى حضانة. ولعلّ الجملة الأكثر تعبيراً عن هذا الواقع قالتها أم كانت قد حُرمت من ابنتها: "يلي بتخلفيه ومن روحك بيطلع، ما بتقدري تحميه والشرع بيوقف ضدّك والقانون بيوقف ضدّك والمجتمع بيوقف ضدّك".
تخسر الأمهات حضانة أولادهنّ بعد الطلاق لسببين: الأول أنهنّ مجبرات أحياناً أن يساومن على الأولاد للحصول على الطلاق هرباً من العنف الممارس عليهنّ، والثاني هو أن القانون يمنح الحضانة للأب بعد سنّ معيّن بغض النظر عن سلوكياته ولو كان معنفاً للأم والأولاد، فحقوقه عليها حصانة لا يمكن المساس بها. هي إذا قرّرت أن تُكمل حياتها وتزوجت بعد الطلاق مثلاً، تسقط حضانتها، بينما هو يمكنه فعل ما يشاء دون قلق على حقه بالحضانة. فقوانين الأحوال الشخصية الطائفية لا تعترف بالشراكة والمساواة ومصلحة الطفل.
حتى بعد موت الأب، الوصاية على الأولاد لا تنتقل حكماً الى الأم، إذ يحل محل الأب بالولاية الجدّ أوالعمّ. في حال كانت المحكمة هي التي ستقرر من سيكون الوصي على الأولاد، نادراً ما تكون الوصاية للأم طالما أن الجد لأب موجود. وقد تمنح المحكمة الوصاية للأم، لكنها تكون مشتركة مع ذكر، فإذا لم تجد جداً أو عمّاَ، لا تتردد بعض المحاكم بأن تسمي موظفاً من المحكمة ليشترك مع الأم بالوصاية على أبنائها. وهذا بعد أن تحدد له معاشاً شهرياً يحصّله من مال الأيتام، كما أن الأم في حالة الوصاية المشتركة هذه، لا يمكنها التصرّف بأي جزء من المال من دون موافقة موظّف المحكمة.
ما العمل؟
صعب أن يتغير واقع النساء قبل أن تتغيّر قوانين الأحوال الشخصية المنتجة للعنف والمكرسّة للتمييز واللامساواة داخل الأسرة، وتغيرّها هذا هو لصالح الجميع، الأمهات والآباء والأبناء والبنات، وللصالح العام.
فالمرأة التي لا تملك سلطة على نفسها وقراراتها ولا تتمتع بأي أهلية، بل تُعامل على أنها قاصرة، صعب أن تكون فاعلة في بناء أسس مجتمع سليم وأن تكون فاعلة في الشأن العام. من دون مساواة واحترام لحقوق الإنسان، لا تتطور المجتمعات ولا يكون العالم قابلاً للحياة.
في اليوم العالمي لحقوق المرأة وفي عيد الأم وفي كل يوم، الحقوق أهم من التابيروار والكلام المعسول.