الخدمة المنزلية: حين يجتمع عنف العالم بين أربعة جدران
يحبّ البعض تنظيف منزلهم آملين في استعادة مساحتهم الخاصة ومتشوّقين لقضاء وقت فيه بهدوء. فهم يعتبرون أعمال المنزل نوعاً من إعادة الشحن، إذ أنها "تحرر الروح، تجدد الطاقة، تفتح الآفاق". وفي المقابل، لا يحب البعض الآخر القيام بذلك، رغبة منهم في بذل أقل جهد ممكن في هذا المجال أو توفيراً للوقت.
ولكن من بين من يقدّرون أعمال التنظيف الأسبوعية، قلّة ستتحمّس بالقدر نفسه لتنظيف أوساخ الآخرين. فالاتساخ يثير اشمئزازاً أكبر حين يكون نتاج الآخرين، وهو شعور يتعزز مع اتساع الفجوة الاجتماعية ـ الاقتصادية بين الناس: أوساخ الآخرين تبدو دائماً أكثر قذارة من أوساخنا، ولوهلة ننسى قدرتنا على إنتاجها أيضاً.
المفارقة تكمن هنا في أنّ من يتولّون تنظيف منازل الآخرين لا سيّما النساء منهم، أصبحوا بالنسبة لأرباب عملهم، على مر السنين وفي مناطق مختلفة من العالم، شكلاً للوضاعة أو القذارة.
في أوروبا، وحتى بداية القرن العشرين ، كان يتم توظيف خدم يُطلب منهم تنظيف منازل الأسياد، فلا يبقى لهم سوى القليل من الوقت للاغتسال، ويلامون لاحقاً على قلة نظافتهم.
وثمة مثال بليغ على ذلك في كتاب "مكانة الخادمات" La Place des Bonnes، الذي تورد فيه مؤلفته آن مارتن - فوغييه Anne Martin-Fugier ملاحظات للنسوية البرجوازية كارو دولفاي Caro-Delvaille، ردّاً على مقالة نشرت في صحيفة "لا فروند" La Fronde عام 1899 تقترح أن يعيش الخدم مع أسيادهم. فتقول دولفاي إنه "عندما يؤمن التعليم كما التنظيم المادي لخادماتنا أرواحاً أكثر نقاءً وأجساداً أكثر نظافة، ستكون جميع النساء البرجوازيات سعيدات بإيوائهنّ بالقرب منهنّ".
ينسحب اليوم الواقع المهيمن على الخدمة المنزلية في العالم على أنواع عدة من المهن وعلى أنماط أخرى من الاستخدام وعلى أشكال إجتماعية وإقتصادية وقانونية متعدّدة. ولكن هناك أمران خاصّان في الخدمة المنزلية: فمن ناحية، هذه المهنة تشغلها النساء بأرجحية ساحقة ـ تشكّلن حوالي 80% من أصل 67 مليون عامل أحصتهم منظمة العمل الدولية ـ ومن ناحية أخرى، لا تحظى هذه المهنة، رغم أنها ضرورية لرفاهية المستفيدين منها، بالتقدير.
العمل في الخدمة المنزلية
يُقصد بـ"عامل في الخدمة المنزلية" كل شخص أنثى أو ذكراً، يقوم بأعمال منزلية في إطار علاقة مهنية. ويمكن أن تتنوّع المهام الموكلة إلى هذا الشخص من تنظيف وطبخ واهتمام بالحدائق وحراسة المنزل ومجالسة الأطفال والاعتناء بكبار السنّ. وغالباً ما تكون ظروف العمل صعبة. كما أن هناك فئات في الخدمة المنزلية تكون أكثر هشاشة من غيرها: الأطفال، والعمال/العاملات الذين يعيشون مع صاحب العمل، وعمال/عاملات المنازل المهاجرين.
قيل الكثير عن أن العمل في الخدمة المنزلية هو إنابة. واعتبر لويس كوزير Lewis Coser عام 1973 بأن هذه المهنة سيكون مصيرها التقادم المبرمج. لكن دخول النساء من حملة الشهادات في الغرب بكثافة إلى سوق العمل وتكثيف هجرة الإناث عبر الحدود الوطنية، لم يلبثا أن بدّدا تكهّن كوزير هذا. ففي فرنسا، كما كتبت نانسي غرين عام 2002، "سواء كنّ عاملات في المنازل أو نواطير، تكرر المهاجرات اليوم ما قامت به أخواتهنّ في القرن التاسع عشر اللواتي وصلن إلى باريس".
وسواء كانت هذه الهجرات العابرة للحدود الوطنية تحصل من الجنوب إلى الشمال أو من الجنوب إلى مناطق أخرى في الجنوب، فإنها تعيد رسم معالم مهنة الخدمة المنزلية. فعلى سبيل المثال، بالنسبة إلى المهن المتعلقة بالرعاية، يتحدث عالم الاجتماع الأميركي أرلي هوشيلد Arlie Hochshield عن "سلسلة الرعاية المعولمة". ويستند هذا المفهوم إلى أنّ قيام نساء بتفويض العمل المنزلي إلى نساء أخريات، يتجاوز اليوم الحدود الجغرافية ويربط بين الفاعلات في هذه الشبكة من عدة قارات. إذ غالباً ما تترك النساء اللواتي يهاجرن وراءهنّ أطفالاً ترعاهن نساء أخريات قد يقمن بدورهنّ أحياناً بتفويض هذا العمل إلى نساء أخريات أيضاً، كي يتمكّنّ هنّ من الذهاب إلى العمل. وبدورهنّ، فإن النساء المهاجرات اللواتي يعملن في قطاع الخدمة المنزلية لإعالة أسرهن في بلادهنّ الأم، مسؤولات عن منازل وأطفال نساء عاملات أخريات (حيث يمكن للأمومة أن تكون دافعاً للتمييز في العمل).
العلاقات في إطار مهنة الخدمة المنزلية: علاقات قوّة
رغم التنوّع الكبير الذي تتسم به، فإن المثير للاهتمام بشكل خاص في الخدمة المنزلية هو الظهور المتناقض للسياسة في المساحة الحميمية. فسواء كان الأمر يتعلق بالنوع الاجتماعي أو الطبقة الاجتماعية أو "العرق"، فإن الخدمة المنزلية تقع في قلب السيرة السياسية والاجتماعية ودينامية السلطة التي تشكّل بنية العلاقات الإنسانية. وسواء كان التعبير عن العنف بطريقة صارخة أم صامتة، فإنه يعكس أشكالاً متنوّعة من الهيمنة. وفي قلب هذه الأخيرة، تكمن العلاقة بين الخادم والمخدوم.
في العديد من دول الغرب، تذكّر الخدمة المنزلية بالتاريخ الاستعماري حيث أن غالبية العاملات في هذا المجال آتيات من مستعمرات سابقة أو ينتمين إلى أقليات أو هنّ مهاجرات شرعيات أو غير شرعيات. ويعزز هذا القالب الإثني ـ العرقي العلاقة "غير المتساوية إلى حد كبير" حسب تعبير كارولين إيبوس Caroline Ibos ، التي تضع أصحاب العمل والعمال في مواجهة صارخة داخل إطار أسري مصغّر.
لا بد من الإشارة هنا إلى أنّه عوضاً عن إعادة النظر في انعدام المساواة في توزيع المهام بين الثنائي داخل الأسرة، فإن الخدمة المنزلية تعززها واقعياً ورمزياً: فنحن لسنا أمام امرأة واحدة بل اثنتان متحدتان في علاقة وساطة بين "مجموعة خادمة" و"مجموعة مخدومة" تضمنان حسن سير الأسرة وشؤون أفرادها. كتبت كوليت لوبوتيكور Colette Le Petitcorps أن "استغلال العمل المنزلي المجاني والعمل في الخدمة المنزلية مترابطان ويعتمدان على بعضهما البعض"، طالما أنّ صاحبة العمل وليس شريكها ـ هي التي تواصل التحكّم بسير العمل في المنزل، ولكن في إطار علاقة مهنية وتجاه شخص لديه أدنى الموارد الاقتصادية والسياسية. فـ"صاحبة العمل" في هذه الحال تحافظ على دورها في إطار الثنائي الزوجي في تنفيذ المهام المنزلية ولكن مع القيام بدور "المديرة". وفي المقابل، تقوم العاملة بدور حيوي ولكنّه غير مقدّر لأنه "يشبّه بعمل مجاني يمكن للشخص أن يقوم به بنفسه". لذلك لم يؤدّ تفويض المهام المنزلية إلى أي تغيير في التقسيم الجندري للعمل. فالرجال يستمرّون بالحضور الطاغي في غيابهم.
خدمة أم استعباد؟ مثال نظام الكفالة في لبنان
ساهمت سلسلة الرعاية المعولمة في بعض الدول في إحياء ديناميّات مستمدّة من التاريخ الاستعماري، وهي، في أماكن أخرى، تُحكم بآليات محلية لإدارة اليد العاملة. ففي لبنان مثلاً، يشكّل نظام الكفالة إطار الهجرة بقصد العمل. والكفالة هي نظام رعاية يربط قدوم العمال والعاملات المهاجرين ووجودهم برُعاة محليين غالباً ما يتحوّلون إلى أرباب عملهم.
وبما أنّ الخدمة المنزلية لا يشملها قانون العمل اللبناني، يتحمّل الكفيل المسؤولية الكاملة عن العامل/ة الذي يعتمد عليه طيلة فترة العقد. يتيح ذلك لغالبية المواطنين أن يضعوا تحت تصرفهم قوة عاملة رخيصة تتمتع بالقليل جداً من الدعم بما في ذلك اللغوي، لتنظيم وضعها ومقاومة الاستغلال. وسواء كنّ قادمات من سريلانكا أو الفيلبين أو النيبال أو إثيوبيا أو بنغلادش، تقوم عاملات المنازل اللوتي بدأن بالتوافد إلى لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، بالمهام السابقة التي كانت تقع على عاتق نساء لبنانيات من الريف وفلسطينيات وكرديات مقيمات في لبنان، أو نساء قادمات من مصر وسوريا. واليوم، تشكل هؤلاء النساء بروليتاريا فرعية ذات أصول مختلفة ـ يمكن الحديث عن عملية فرز عنصري ـ يضعها المجتمع اللبناني ضمن تراتبية عرقية ويحدد أجورها بناء على ذلك.
وغالباً ما تجعلنا سلسلة الرعاية نتساءل عن الحدود بين الخدمة والعبودية وتؤكّد عجزنا على النظر إلى العالم خارج إطار منظمومة اجتماعية ننشئها على أسس صلبة. وجيلاً بعد جيل، نعيد إنتاج العبودية ولكن كل مرة بالوسائل الجديدة التي تضعها الرأسمالية بين أيدينا.
في هذا الصدد، فإنّ تعريف العبودية الذي اقترحته عالمتا الإثنولوجيا الهنديتان راكا راي وسيمين قيوم يمكن أن ينطبق كذلك على حالات التبعية الواضحة أو الضمنية: "يجب أن يُنظر إلى العبودية كمؤسسة تنتج النظافة ووجبات الطعام ورعاية الأطفال فضلاً عن المرتبة الاجتماعية".
ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل، الإرتقاء الإجتماعي الرمزي الذي يعكسه ﺘوظيف ﻋﺎﻣلة في الخدمة المنزلية، ممكن أن يفسّر جزئياً ﺷﻌﺒﻴﺔ هذه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ رﺑﻊ اﻷﺳﺮ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ، في جميع الأوساط اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. فعلاقة الاستخدام لا تندرج دائماً ضمن التركيبة المتناقضة: أغنياء/فقراء. إذ بعض الأوساط المحرومة توظّف عاملات في منازلها لتوحي بأنها أكثر رقياً. وفي لبنان، كما في أي مكان آخر، يبدو أن هناك شيئاً من الاستمتاع بتجربة الهيمنة، لأنها تعفينا من أن نكون الحلقة الأدنى في سلسلة التقسيم الرأسمالي للعمل.
العاملة المنزلية كائن غير مرئي ولا صوت له
تستند إحدى الخصائص الأساسية للسلطة في إطار الخدمة المنزلية جزئياً إلى كونها تعتمد على ما نخفيه أمام "الآخرين"، تماشياً مع الأعراف الاجتماعية. ففي حميمية المنزل، بعيداً عن أعين الآخرين، يجد الكثيرون أنفسهم بمفردهم في مواجهة حدودهم الاجتماعية والمادية. وهناك يتجرّدون من المحرّمات، بكل أشكالها، بما فيها الأقل جاذبية. وعاملات المنازل على تماس دائم مع ما قد يعتبر في الخارج عاراً أو "منافياً للحشمة". في مقالة نشرت في مجلة "الإكسبرس" L'Express الفرنسية عام 2004 ، تشير نساء عاملات في المنازل في فرنسا إلى أنّ أرباب عملهن لا يقيمون لهنّ أي اعتبار. ولا يعيرون أي اهتمام "للحشمة"، حتى أن بعضهم يذهبون حد الطلب من العاملات غسل ملابسهم الداخلية بأيديهن!
ويستند انتفاء الحشمة إلى الاعتقاد السائد بفكرة أن "المرؤوسات لا يمكنهنّ الكلام". نتجادل ونبوح بخصوصياتنا أمامهن ـ كما لو أنهنّ لسن موجودات ـ من دون خوف من أن يُدنّنا. فالأمر يتجاوز فكرة "المظلوم" و"المسيطر"، حيث يتم استبعاد المرؤوسات تماماً من التمثيل. وصحيح أنهنّ مسؤولات عن كامل المساحة المنزلية، وموجودات في كل مكان طوال الوقت، إلاّ أنّهنّ في الوقت ذاته غير مرئيات، كي لا يزعجن الآخرين. في فرنسا، أعربت بعض النساء عن انزعاجهنّ من هذه "الأجسام الغريبة" التي تملأ فضاء منازلهنّ، وقالت إحداهنّ عن المربية التي ترعى أطفالها: "عندما أعود إلى المنزل في المساء وأرى حقيبتها في منتصف المدخل، وحذاءها بالقرب منها، ومعطفها القديم على كرسي الصالون، لا أشعر أني في منزلي".
وفي لبنان، يمنع العديد من المسابح والمنتجعات دخول العاملات المنزليات المهاجرات. وفي بعض الأبنية، ثمة مصعدان واحد لـ"الخدم" وآخر "للمخدومين". يوضح هذان المثلان إلى أي مدى يتم تقسيم الفضاء عن وعي لتذكير كل شخص بمكانته في هذا العالم.
كتبت آن ماري فوغييه إن "الخدمة المنزلية تُنحت في جسد المرء"، مبرزة البعد الإجمالي لهذه الوظيفة. إجمالي، ولكن أيضاً مهين وخطير. إذ تشير التقديرات إلى أنّ عاملتين منزليتين تموتان كل أسبوع في لبنان، إما انتحاراً أو في محاولة الفرار. وفي بعض الأحيان يتم قتلهن. وشهادات هؤلاء النساء، اللاتي لولاهنّ لكانت منازلنا ملوثة مثل البحر المتوسط، تدمي القلب، بدءاً من عدم حصولهن على يوم عطلة، وعدم دفع أجورهنّ، مروراً بالدوامات المروّعة والطلبات المخيفة من أصحاب العمل، وصولاً إلى العنف الجنسي والجسدي، والمضايقات اليومية. كما أنّ هشاشة وضعهن القانوني الممهور بختم "الكفالة"، يجعلهن خارجات عن القانون عندما ينجحن في الهرب من منازل العار، بغض النظر عن أسباب الهروب.
أوهام عاطفية
كما هو الحال في العديد من السياقات الأخرى، سيعترض أصحاب العمل والعمال ويقولون لنا "لا تبالغوا!" وبأن "الانتهاكات تحصل في جميع المهن"، وأنه لا ينبغي أن نعمّم، ولنترك الناس يعاملون موظفيهم وموظفاتهم مثلما يعاملون أبناءهم أو بناتهم، إضافة إلى غيرها من الصرخات المعتادة التي لا يمكن لضمائر من هم في مواقع القوة، أن تتوقف عن إطلاقها. إضافة إلى تعابير مثل "ليس كل الرجال هكذا" و"ليس كل الأغنياء هكذا"، وما إلى ذلك.
لا يتعارض انتقاد عمل نظام قمعي بأي شكل من الأشكال مع وجود أشخاص داخله، من رجال ونساء يحاولون كلّ ضمن نطاقه الخاص، أن يجعلوه أكثر قابلية للعيش. فالطرق الفردية للتعامل يمكن أن تكون قاسية أو سخية أو ربما غير مبالية. ولكن اللعبة الحقيقية ليست هنا. فبدلاً من الوقوف عند النزعات الفردية، ينبغي التساؤل عما إذا كان من الطبيعي في إطار نظام الكفالة، على سبيل المثال، أن تعتمد حياة آلاف البشر فقط على النوايا الحسنة وعلى إنسانية أرباب عملهم. فمنذ اللحظة التي تكون فيها طريقة أصحاب العمل المحترمة في التعامل مع الموظفين هي أداة صمود هؤلاء، فإن هذا الاحترام يصبح جزءاً لا يتجزأ من الهيمنة. ولكن ذلك بالتأكيد لا يعني أن هذا السلوك ـ الذي ينبغي أن يكون تلقائياً ـ يستحق الشجب. فببساطة يساعد ذلك على تخفيف وطأة الخضوع للهيمنة من دون تحديها في العمق لأنها لا تشكك في الفوائد التي يستمدها الطرفان من النظام.
وفي المقابل، وبطريقة فريدة جداً، يمكن أن تُنسج في المنازل التي توظّف عاملات منزليات علاقات حميمة بين المجموعة "الخادمة" والمجموعة "المخدومة". فمن الناحية الأولى، نبكي عندما يموت رب البيت، ونتأثر حين يتزوج الابن الأكبر، ونحتفظ بصور الأطفال الذين نهتم بهم بالقرب من أسرّتنا. ومن الناحية المقابلة، نتحمل أحياناً كلفة تعليم أطفال العاملة المنزلية، ونقدّم لها الهدايا في الأعياد، ونحتفظ بصورها في ألبوم العائلة. عناصر التعلّق هذه تتيح التخفيف من تجربة السيطرة. فالحب بأشكاله المختلفة يتيح عدم تسييس العلاقة بين الخادم والمخدوم، ويجمّل استغلال الفضائل الأخلاقية، ويساهم في البناء المنفصل للأدوار والوضع الاجتماعي لكل منهما، ويحوّل ـ أو بالأحرى يعطي انطباعاً بذلك ـ رابط التبعية بين المجموعة "المخدومة" والمجموعة "الخادمة" إلى علاقة شبه عائلية. و"شبه" مهمة هنا، لأنه لو كان رابطاً عائلياً فعلاً، لكان "المخدوم" و "الخادم" من الجيل نفسه، مثلاً، يتناولان الطعام معاً على طاولة واحدة ويناقشان مختلف المواضيع المتنوعة. فالسمة الغالبة للخدمة المنزلية بجميع أشكالها، هي إضفاء بعد اجتماعي وثقافي وسياسي على التماس الجسدي.
هل يمكننا الخروج من هذا يوماً ما؟ هل يمكن أن نتخلص من غرائزنا السلطوية ومتعة إعطاء الأوامر؟ من الصعب الإجابة على ذلك. وفي المقابل، هل يمكننا التفكير في نماذج اقتصادية أخرى لا تشيد برغبتنا في إخضاع الآخرين، بل تبني هياكل يمكن أن تحتويهم: إصلاحات قانونية، استثمار في الخدمات العامة أو حتى بطريقة أعمق، إعادة صياغة علاقتنا في العمل. ربما علينا أن نحاول ذلك.
الترجمة من الفرنسية: لمياء الساحلي