غرور المحاكم الطائفية الذي يعزّزه تواطئ الدولة
أظهرت التحقيقات تعرّض أطفال في جمعية رسالة حياة لسوء المعاملة والتحرش إضافة إلى اختفاء رضيعين، تبين أن واحداً منهما سلّمته الجمعية إلى إحدى العائلات بغرض التبني. وفتحت الطريقة التي تعاطت فيها الجمعية المعنية مع قرار قضاء الأحداث الباب مجددا لتدخل رجال الدين في مسارات قضائية وعلى حساب مصلحة الأطفال الفضلى.
يهمّ منظمة كقى عنف واستغلال وجمعية بدائل- Alternatives التذكير بأن موضوع الصلاحية بين قضاء الأحداث والمحاكم الطائفية قد حسم في العام 2007، عندما أصدرت الهيئة العليا لمحكمة التمييز القرار رقم 22/2007 الذي أعطى قاضي الأحداث حق ممارسة إختصاصه الواسع لمصلحة الأحداث المعرّضين للخطر.
من هنا، فإن المحاكم الطائفية في قضية جمعية رسالة حياة وفي غيرها من القضايا، هي التي تطاولت على الإختصاص المدني وليس العكس.
غرور وتسلّط هذه المحاكم نشهدهما أيضاً من خلال متابعتنا لتنفيذ القانون رقم 293/2014 المتعلق بالعنف الأسري، حيث أن بعض المحاكم الطائفية تتجاهل القرارات الصادرة عن القضاء المدني وتوقف قرارات الحماية الصادرة عن قضاء الأمور المستعجلة.
وبالرغم من تمتّع المحاكم الطائفية بفائض القوّة هذا، إلّا أنها تتصرّف بمظلومية. وهذا كلّه بسبب غياب الدولة وعدم ممارسة دورها الرقابي.
كما ويهمّنا التأكيد على ضرورة الإلتزام باتفاقية حقوق الطفل الذي صادق عليها لبنان في عام 1991، وهو بذلك ملزم بتطبيق مبادئها. ولقد أكدت المادة الثالثة من الاتفاقية على إيلاء مصلحة الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية.
أكدت كذلك المادة 19 على اتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته.
إن جمعية رسالة حياة التي حاولت التفلّت من أحكام هاتين المادتين الذي كرسهما قانون حماية الأحداث (422\2000)، والذي شكل مرجعا أساسيا لقرار قضاء الأحداث في إصدار قرار حماية للأطفال الذين ثبت تعرضهم لسوء معاملة داخل هذه الجمعية ، ليست الوحيدة ضمن المؤسسات الدينية التي تتعاطى وكأنها فوق القانون.
وهنا نستذكر كيف تعاطت دار الأيتام الإسلامية في عام 2015 مع شهادات تعرض أطفال تحت رعايتها إلى سوء المعاملة والاعتداءات الجنسية. حينها اعتبر الموضوع برمته تعدياً على الطائفة على حساب المساءلة بقضية تمس حماية الأطفال الأكثر تضررا.
لابد من الدعوة إلى تعزيز دور وزارة الشؤون الاجتماعية الرقابي على عمل الجمعيات المتعاقدة معها. وهي مناسبة لإعادة النظر في عمل المؤسسات الرعائية والتركيز على الوقاية من الفصل عبر دعم الأسر المهددة لا سيما تلك التي تقودها أم منفردة، على أن يكون الفصل ملاذاً أخيراً. وعند النظر في الأسر البديلة، يجب إيلاء مصلحة الطفل الأهمية القصوى وضمان إمكانية إعادة الوصل مع الأم البيولوجية.
فلبنان مطالب ومنذ عام 2006 بإصلاح قطاع الرعاية البديلة بموجب ملاحظات لجنة حقوق الطفل حين عبّرت عن قلقها العميق إزاء تقارير لبنان حول وضع الأطفال في دور الرعاية وحول الأعداد المتزايدة للأطفال ضمن هذه الدور. وكانت دراسة قد أعدها عام 2008 مركز الدراسات والأبحاث بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية واليونيسف أشارت إلى أن غالبية هؤلاء الأطفال مودعون في المياتم ليس بسبب اليتم بل بسبب الفقر. كما أشارت الدراسة تلك الى واقع هزيل للرعاية البديلة في لبنان، فضلاً عن أن كلفة دعم العائلات الفقيرة مالياً لتمكينها من إبقاء أولادها في كنفها (إسكان، تعليم، غذاء..)، يقل عن الكلفة التي تترتب على دعم مؤسسات الرعاية.
وفي النهاية، لابد من التأكيد على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية للرعاية البديلة، الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2009، كاستجابة ملزمة لحماية الأطفال في المؤسسات الرعائية. وقد أوصت هذه المعايير التي أُلحقت باتفاقية حقوق الطفل، بالتخلي عن النمط المؤسساتي في الرعاية البديلة والتوجه إلى النمط العائلي ليكون للطفل فاقد الرعاية الأسرية حقه الفردي في الرعاية والنمو والتمكين والاندماج والعيش المطلق ككائن مكتمل منتج وفعال.