لقانون موحد للأحوال الشخصية تحقيقاً للمساواة والمواطنة

  لقانون موحد للأحوال الشخصية تحقيقاً للمساواة والمواطنة

تستمر مأساة النساء والأطفال في أروقة المحاكم الطائفية وداخل الأُسَر، في وقت يرفض فيه نوّاب لبنان وضع حدّ لهذه المآسي. فيتقاعس هؤلاء عن أداء واجبهم التّشريعي، بل ويعارضون إقرار الدّولة قانونها الموحّد للأحوال الشخصية، على الرغم من اقتناع العديد منهم بأهميته. ويحرص مجلس النوّاب على الحفاظ على قوانين الأحوال الشخصية الطائفيّة المتعددة. فاستمرار معاناة النساء والأطفال والإبقاء على النظام الطائفي الذكوري شرط من شروط استمرارهم في الحكم وتهربهم من المحاسبة والعقاب. ما يجعلهم يتخوفون مما سيحققه قانون الأحوال الشخصية الموحّد من قيم المواطنة والعدالة والمساواة والسيادة، وكذلك من رعايته لحقوق الإنسان. 
وبعيداً عن مصالحهم، لا يمكن الاستمرار اليوم من دون قانون موحد للأحوال الشخصية، يحقق المساواة ويرفع الظلم الواقع على المواطنين والمواطنات وينهي معاناتهم، ويحقق مصلحة الدولة. وهو ما لن يحصل من دون إقرار الدولة قانونها للأحوال الشخصية، وكف يد المحاكم الطائفية المطلقة عن حياة مواطنيها. بالتالي استعادتهم إلى حضن دولتهم بدل تركهم يعانون من جور مؤسسات طائفية, تصدر أحكاماً بعيدة أصلاً عن همومهم وأوجاعهم وواقع المجتمع اللبناني، ما يشكّل اعتداءً على سيادة الدولة. وبات من الملحّ جداً تحقيق مصلحة المواطنين بدل مصالح السياسيين الضيقة. فليس من المقبول غياب قانون يحقق مصلحة الدولة ومواطنيها، ويعاقب على الجرائم المرتكبة بحقها وحقهم.
واذ يرفض رجال الدين مناقشة أي طرح لقانون أحوال شخصية  موحد، حتى من دون الاطلاع على تفاصيله. وعلى الأرجح أنهم سيحاربون اقتراح القانون الذي أعدّته "كفى" من دون حتى الاطلاع عليه، أو لنقل مناقشة بنوده بموضوعية. فقد بات واجباً على المواطنين المطالبة بإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، وانتزاع حقوقهم المنتهكة من قبل السلطات الطائفية بتواطئ من السلطات السياسية.
وواجب الدولة والمواطنين اليوم تحويل الزواج من فعل أسرٍ للمرأة لفعل شراكة، وإخراجه من دوامة الاستبداد والتسلط. وتجاوز الخطاب الديني الذي يرفض حتى المساواة بين امرأة وأخرى أو طفل وآخر، قبل أن يرفض المساواة بينها وبين الرجل. 
فمع إقرار قانون موحد للأحوال الشّخصيّة، ستصبح الزوجة شريكة لا معتقلة. ستتحمل مع زوجها مسؤولية القرارات المتّخذة في العائلة، وستشارك في الإنفاق عليها. بينما سيشارك الرّجل بالواجبات المنزلية وبتربية أبنائه. ووفق الاقتراح سيشترك الزوجان بملكية الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج. ولن يكون الطلاق حقاً محصوراً بالرجل. هي تبدلات على صعيد الأسرة ستنعكس تغيّراً على صعيد المجتمع. إذ ستساهم في تعزيز حضور المرأة في الفضاءات العامة، ومشاركتها في الحياة السياسية وفي مراكز القرار في الدولة.
وفي اقتراحها لقانون أحوال شخصية موحد، منحت منظمة "كفى" الاعتبار لكيان الطّفل. فجعله الاقتراح شريكاً في اتخاذ القرارات المتعلقة به، حيث سيتمّ الرجوع إليه والتشاور معه. ومع بلوغه سن الخامسة عشر، سيمنح الطفل سلطة الموافقة على القرارات المتعلقة به.
وبناءً على ما ذكر، لن تكون السلطة مطلقة بيد الرّجل، بل ستكون الحياة الأسرية شراكة يحكمها الحوار والتفاهم، ما سيعزز الروابط الأسرية ويحدّ من النزعة التسلطية لدى أيّ فرد. بذلك لن يكون مصير الأطفال أو المرأة رهن بمزاجية الأب أو نزعته الانتقامية. وبذلك أيضاً سينشأ الفرد على الحوار واحترام حقوق غيره وآرائهم ما يعزز المواطنة الصالحة.
ومن البنود المهمة في اقتراح القانون مساواته بين الأطفال من مختلف الملل والمذاهب. حيث لا تفرقة بين طفل وآخر بالنفقة والحضانة والإرث وغيرها. فاحتياجات الأطفال الأساسية كالمأكل والملبس والطبابة والتعليم والرعاية لا تختلف بحسب انتماءات والديه. 
ومن ميزة اقتراح القانون الموحد احترامه فعلاً إيمان الأفراد، فهو لا يفرض المراسم بالإكراه. بل يحرص على حماية المواطنين والمواطنات من التطبيق السيئ للقوانين الطائفية. ولا يمنع قانون الدولة القيام بالمراسم الاحتفالية الدينية، لكنه يمنع الممارسات التي تمس بحقوق الانسان والأطفال. فيمنع تزويج الأطفال والطفلات وبذلك يحميهم، تحديداً الطفلات، من جرائم التزويج وما يليها من عنف مستمرّ، يشمل حتى اغتصاب الطفلات بحمى محاكم تبيح الأمر للزوج.
ويضمن اقتراح القانون ممارسة كل فردٍ لقناعاته الدّينية من دون الاضطرار إلى تغييرها. إذ يحترم كل فرد ديانة الآخر ومعتقده ولا يفرض عليه ممارسات تناقضها كشرط لعقد القران. 
أما في مسألة الإرث فهي وكما غيرها من المسائل محكومة بمبدأ العدل والمساواة، فيرث المواطنون من دون تمييز على أساس جنسهم أو دينهم. وفي حال عدم وجود وريث، ترث الدولة المتوفى بدل المحاكم الطائفية. بذلك تصبح التركة ملكاً لكل المواطنين بدل الأوقاف التي تبقيها بخدمة فئة.
إذاً فالقانون الموحد للأحوال الشخصية هو المعبرالإلزامي للوصول إلى دولة ذات سيادة، دولة العدالة والمساواة. من دونه لن تتحقق قيم المواطنة ولا مصلحة الدولة بمواطناتها ومواطنيها.

منظمة "كفى" 
بقلم الصحافية مريم سيف الدين