بعد إقرار القانون بنسخته المشوهّة: كفى توجّه رسالة الى رئيس الجمهورية
يستمرّ النظام الطائفي في لبنان في قضم مساحة النظام العام الذي يفترض أن يكون نظاماً مدنياً يسري على جميع المقيمين/ات في لبنان بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية.
ومن الدلائل البارزة في هذا المجال ما حصل مع مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري الذي وُوجه بمحاربة شرسة من قبل بعض رجال الدين الذين استنفروا كلّ طاقاتهم وطاقات التجمّعات الدائرة في فلكهم، للتأثير على مجريات مناقشة اللجنة النيابية الفرعية أثناء نقاشها لمشروع القانون. لقد هالهم أن تتدخّل السلطات الأمنية المدنية لحماية النساء المعرّضات للعنف فرأوا فيه تقويضاً لموقع الرجل وسلطته في الأسرة، وعمدوا إلى تغيير الهدف الجوهري للمشروع، ألا وهو حماية النساء من العنف الأسري، وجرى تعميم المشروع ليشمل جميع أفراد الأسرة، وبالتالي تمويه جوهره الأساسي.
وها هو النص الذي صدر عن اللجنة وتبنّته اللجان النيابية المشتركة، ثمّ تبنّته الهيئة العامة في 1 نيسان، يرفض إعطاء المرأة حقاً حصرياً في طلب الحماية من أجهزة الدولة المدنية، على خلفية رفضهم إعطاء المرأة أية امتيازات خاصّة، متغاضين، وعن سابق تصوّر وتصميم، عن واقع كون النساء هنّ من يتعرّضن للعنف وللقتل في هذا المجتمع الذكوري بثقافته وقوانينه، والمكرِّس لسلطة الرجل في إطار القوانين والأعراف الناظمة للعلاقات الأسرية.
وعلى أساس هذه الخلفية الدينية المستندة إلى مفاهيم بالغة الذكورية، يمكن تفسير معارضة النواب لتجريم فعل اغتصاب الأزواج لزوجاتهنّ بوصفه "استيفاءاً للحقوق الزوجية"، ما يدلّ بشكل فاضح على غزوة الفكر الديني المتزمّت على القانون الجزائي المدني الذي يُفترض أن يطبَّق على كافة المقيمين/ات في لبنان، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية، حتى على الذين شاؤوا ألّا ينتموا إلى أي طائفة. وفي السياق نفسه، ورغم محاولاتنا الجاهدة لفك الارتباط بين هذا القانون وقوانين الأحوال الشخصية، إلا أن النواب كرّسوا هذا الارتباط لصالح القوانين الطوائفية من خلال ربط حق المرأة في حماية أطفالها بسنّ الحضانة، فكان تعريفهم للأطفال المشمولين بالحماية: "من هم في سنّ حضانة الضحية".
مرّة جديدة، تقع النساء ضحايا النظام الطائفي-السياسي في لبنان. لقد جاءت التسويات السياسية لتنتقص من حقهنّ في الحماية، وتوافقت مختلف الكتل النيابية على صدور القانون بالشكل المُشوّه الذي صدر فيه، بعد أن ضرب 71 نائباً بعرض الحائط التزامهم بإدخال التعديلات المطلوبة على مشروع القانون حفاظاً على مضمونه والهدف الذي اقتُرح من أجله.
فالتحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري كان قد توجّه في العام 2008 إلى مجلس الوزراء لتشريع قانون حماية النساء من العنف الأسري، والذي صيغ بعد دراسة معمّقة لجرائم قتل النساء داخل الأسرة وللعقبات التي تقف عائقاً أمام النساء وتمنعهنّ من اللجوء إلى القضاء أو تدفعهنّ إلى إسقاط حقوقهنّ:
إن النساء المعنّفات لا يلجأن إلى القضاء لأن ليس لديهنّ مسكن بديل عن منزل الأسرة؛
إن النساء يتراجعن عن شكواهنّ لأنهنّ لا يتمتّعن بالاستقلال الاقتصادي ولا يمكنهنّ الإنفاق على أنفسهنّ أو على أطفالهنّ؛
إن النساء يتردّدن باللجوء إلى القضاء لأنهنّ يرفضن الخروج من المنزل الزوجي بدون أطفالهنّ، وهذا ما يدفع الكثيرات إلى الصمت على العنف المُمارس عليهنّ؛
إن معظم الشكاوى المقدَّمة من النساء تنتهي بإلزام المعنِّف بالتوقيع على تعهّد بعدم التعرّض والذي لا يترتّب على مخالفته أي مفعول قانوني؛ إن أبشع أشكال العنف التي تتعرّض لها النساء غير مجرّمة في قانون العقوبات (الاغتصاب الزوجي).
كلّ هذه الأسباب دفعتنا إلى التقدّم بمسودة مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري والهدف منه إزالة جميع العقبات أمام النساء لتشجيعهنّ على اللجوء إلى القضاء لوقف العنف المُمارَس عليهنّ. إن التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري يأسف لأن يكون نوّاب الأمة بعيدين عن معاناة النساء ومتجاهلين لإشكالية العنف ضد النساء الذي التزم لبنان بمكافحتها من خلال تصديقه على الاتفاقيات الدولية، ولا سيّما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء.
إننا نرفض أي قانون أبسط ما يمكن أن يُقال عنه أنّه "قانون حق يُراد به باطل". ففي الظاهر يمكن أن يُشار وكأن القانون أُنجز لحماية النساء من العنف الأسري، وهذا ما سمعناه على لسان النواب جميعاً، فيما المضمون يكبّل النساء ويصعّب عليهنّ طريق العدالة.
كيف يمكن أن نقبل بأن تُطبَّق قرارات الحماية التي وُضعت وفقاً لحاجات النساء على جميع أفراد الأسرة دون دراسة حاجات باقي أفراد الأسرة، وما إذا كان الرجل فعلاً بحاجة إلى مثل هذه الإجراءات الحمائية، في ظلّ النظام القانوني والإجتماعي القائم الذي يحميه ليس فقط في حال تعرّضه للعنف، بل ويحميه أيضاً في حال ارتكابه للعنف بحقّ النساء في الأسرة؟ نحن نتكلّم عن معنِّف، ونواب الأمّة يتكلّمون عن رجل، حتّى ولو كان معنِّفاً، من غير المسموح المسّ بسلطته داخل الأسرة أو تقييدها...
كيف يمكن أن نقبل بقانون يفرض حصانة على حقوق الرجل فقط لأنه رجل؟ ففي كل الدول التي تجرّم العنف الأسري يتمّ منع الرجل المعنِّف من الاعتناء بالأولاد إلا في لبنان... حيث ارتكاب الرجل للعنف ليس سبباً لأن يشمل قرار الحماية الأطفال مع والدتهم طالما أنهم ليسوا في سن حضانة يسمح لها باصطحابهم.
لذلك،
إن التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري لن يقبل بقانون يرفض تخصيص النساء في الحماية، فإذا كان في الأسرة أفراد آخرون يحتاجون إلى الحماية، فليجتهد نواب الأمّة إلى صياغة مشاريع قوانين
تتناسب مع خصوصيّة هؤلاء الأفراد؛
لن نقبل بقانون لا يعترف بالعنف المُمارَس علينا كنساء، لأنّنا نساء؛
لن نقبل بقانون يشرّع الاغتصاب الزوجي تحت مسمّى" الحقوق الزوجية"؛
لن نقبل بقانون لا يشدّد العقوبات على كل الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات التي يمكن أن تُرتكب داخل الأسرة؛
لن نقبل بقانون يمنع على المرأة حماية أطفالها إلا في حال كانوا في سنّ حضانتها.
نحن اليوم وبعد حملة دامت ستّ سنوات بهدف تأمين الحماية للنساء لن نقبل بالمساومة على حقّهنّ بالحماية الفعليّة حتى ولو اقتضى الأمر أن نستمرّ بحملتنا لعشرات السنين لإدخال التعديلات المطلوبة وتشريع قوانين على قدر طموحات النساء. فإنّ الوعي الذي تكوّن لدى الشعب اللبناني خلال مسار هذه الحملة الطويلة، والذي تجلّى في تظاهرة 8 آذار من خلال مشاركة المجتمع بمختلف شرائحه، ولا سيّما الفئة الشبابية، يجعلنا لا نفقد الأمل أو نساوم على ما نؤمن به.
لذلـــــــــك،
نطالب اليوم رئيس الجمهورية أن لا يكون شريكاً في إخضاع الدولة المدنية للمنظومة الطوائفية وأن يعيد للنساء حقهنّ بالحماية الفعلية من كافّة الجرائم التي تُرتكب بحقهنّ في الأسرة عن طريق إعادة مشروع القانون إلى المجلس النيابي لإدخال التعديلات الجوهرية على مضمونه.
مشروع القانون كما أقرّ في 1 نيسان 2014 في الهيئة العامة،
التعديلات التي طلبنا إدخالها على النسخة النهائية من مشروع القانون