واقع النساء في ظل غياب قانون مدني للأحوال الشخصية
النساء في لبنان هن الأكثر معاناة من غياب قانون مدني للأحوال الشخصية، يضمن لهن المساواة فيما بينهن وأيضا فيما بين المواطنين والمواطنات بشكل عام، ويكون مدخلا لإعادة الانصهار الوطني في إطار دولة مدنيّة جامعة.
وكما هو معلوم، فإن اللبنانيين واللبنانيات مقسمين على 18 طائفة، 15 منهم لديهم قوانينهم الخاصة ومحاكمهم الخاصة، جميعهم يتشاركون في التمييز ضد النساء، يطلبون منهن الطاعة ويطبّقون عليهن حكم النشوز في حال عدم التزامهن بطاعة أزواجهن. قد يقول البعض أن مبدأ الطاعة غير مطبّق عمليا، إلا أنه لا يزال مكرّسا بنص قانوني حيث يمكن للزوج أن يتقدّم بدعوى لالزام الزوجة التي تغادر البيت الزوجي بدون اذنه او بدون اذن مشروع بالعودة والتساكن معه. أما إذا رفضت الزوجة تنفيذ الحكم الملزم بالمساكنة تعتبر ناشزا ويسقط حقها بالنفقة كما يسقط حقها بالحضانة لدى بعض الطوائف المسيحية.
وتكرّس أنظمة الأحوال الشخصية أوجه عديدة من التمييز ضد النساء والفتيات، كمسألة السماح بتزويج القاصرات، القوانين والإجراءات المتعلقة بالنفقة والحضانة والولاية على الأطفال وغيرها. فيما يلي بعض أوجه التمييز اللاحق بالنساء في قوانين الأحوال الشخصية:
سن الزواج المسموح به لدى الطوائف المختلفة
الطوائف المسيحية
-
- الطوائف الكاثوليكية: 16 سنة للذكر، 14 سنة للأنثى؛
- طائفة الأرمن الأرثوذكس: 18 سنة للذكر، 15 سنة للأنثى، إنّما يمكن أن يأذن المرجع الروحي زواج الشابّ الذي أتمّ السادسة عشر من عمر والفتاة التي أتمّت الرابعة عشرة من عمرها في حالة غير اعتيادية أو لسبب مهمّ جداً؛
- طائفة الروم الأرثوذكس: 18 سنة للذكر والأنثى؛ لكن عند الضرورة، يجوز عقد الزواج شرط ألا يكون الذكر دون الـ 17 من العمر والأنثى دون الـ15، مع مراعاة حال البنية، والصحة، وموافقة الولي، وبإذن من راعي الأبرشية؛
- طائفة السريان الأرثوذكس: 18 للذكر، 14 للأنثى؛
- الطائفة الآشورية: 18 للذكر، 14 للأنثى
الطوائف الاسلامية
- الطائفة السنيّة: 18 سنة للذكر، 17 سنة للأنثى.
بإمكان القاضي أن يأذن بزواج القاصر الذي أتمّ الـ12 سنة والقاصرة التي أتمّت الـ9 سنوات في حال بلوغها وبعد إذن وليّي الأمر. - الطائفة الشيعية: المعيار هو إثبات البلوغ الشرعي ويُتوقَّع بلوغ الذكر في عمر الـ15 سنة، والأنثى في عمر الـ9 سنوات.
- طائفة الموحّدين الدروز: 16 سنة للذكر، 15 سنة للأنثى.
إنّما بإمكان قاضي المذهب أو شيخ العقل أن يأذن بزواج القاصر الذي أكمل عمر الـ16 سنة، والقاصرة التي أكملت الـ15 سنة بعد أن يأذن وليّاهما.
قوانين الطلاق / الهجر / فسخ الزواج أو بطلانه...
الطوائف المسيحية:
- لدى جميع الطوائف المسيحية يسمح بالهجر والفسخ والبطلان، أما الطلاق يتم في حالات استثنائية
الطوائف الاسلامية:
- الطائفة السنيّة: لا توجد قيود على حقّ الرجل بالطلاق بإرادته المنفردة، لكن باستطاعة المرأة التقدم بدعوة تفريق.
- الطائفة الشيعية: لا توجد قيود على حقّ الرجل بالطلاق بإرادته المنفردة
- الموحدون الدروز: الطلاق يتم بقرار قضائي
حق النساء في حضانة أطفالهن لدى المذاهب المختلفة
الطوائف المسيحية:
الطوائف الكاثوليكية: سنّ الحضانة المعمول بها هي سنّ الرضاعة، أي سنتان؛ على أنه يكون للمحكمة الروحية السلطة الاستنسابية في تقرير الحاضن وفقاً لما تقتضيه مصلحة القاصر/ة.
- طائفة الروم الأرثوذكس: سن الحضانة 13 سنة للذكر، 15 سنة للأنثى.
- طائفة الأرمن الأرثوذكس، السريان الآوثوذكس والآشوريين: سن الحضانة 7 للذكر، 9 للأنثى.
- الطائفة الإنجيلية: سن الحضانة 12 سنة للذكر والأنثى.
الطوائف الاسلامية:
- الطائفة السنيّة: 12 سنة للذكر والأنثى. هذه السنّ من حقّ الأم فقط، فإذا انتقلت الحضانة إلى أم الأم بسبب وفاة الأم، تكون سنّ الحضانة 7 سنوات للذكر، و9 سنوات للأنثى.
- الطائفة الشيعيّة: سنتان للذكر، و7 سنوات للأنثى. لا حضانة للأم التي هي على غير دين الأب.
- طائفة الموحّدين الدروز: 12 سنة للذكر و14 سنة للأنثى.
الولاية على الأولاد القصّر لدى جميع الطوائف
باستثناء الارمن الارثوذكس، تُحرم المرأة من حق الولاية على أولادها القصّر لدى جميع المذاهب. فالولاية الجبريّة تعود فقط للوالد الشّرعي والمعروف بـ"الوليّ الجبري" حتى لو كانت الحضانة للأم. والولاية على القاصر هي سلطة يترتب عليها واجبات قانونية ومنها حماية حقوق القاصرين/ات وإدارة اموالهم/ن والاهتمام بهم/ن وتنظيم امر معيشتهم/ن (حق التربية والتأديب والتعليم والتزويج والعناية بمال القاصر/ة وإدارته). مثلا، لا يحق للأم أن تستصدر هويات لأولادها، ولم يكن يسمح لها باستصدار إخراجات قيد لهم قبل التعميم الأخير الذي صدر عن المدير العام للأحوال الشخصية منذ أيام قليلة والذي منحها هذا الحق، كما لا يحق لها باختيار المدرسة ولا بفتح حساب مصرفي لاولادها أو التصرف باموالهم...
إن قوانين الأحوال الشخصية تطبّق على كافة النساء في لبنان، لذلك فإن الفوارق ما بين هذه الفئة أو تلك تبقى مرتبطة بمدى الظلم – أو حتى العنف المعنوي – الذي تكرّسه قوانين الأحوال الشخصية لدى هذا المذهب أو ذاك.
وفي الهوامش المتروكة للقضاة في محاكم الأحوال الشخصية، هناك بعض التباينات في الأحكام التي يصدرونها – أكان الأمر متعلقا بالنفقة أو الحضانة وغيرها. لذلك فإن مصير السيدات يبقى مرتبطا في مدى تحكّم الفكر الذكوري في القاضي أو القضاة المعنيين في ملفّاتهن وفي تقرير مصيرهن ومصير أولادهن. ولا بد من الإشارة إلى غياب المعايير العلمية التي يتم على أساسها اختيار القضاة في محاكم الأحوال الشخصية والتي هي أشبه بكانتونات مذهبية مغلقة خارجة عن نطاق تدخّل النظام العام في الأحكام الصادرة عنها.
أمام هذه الوقائع، تقع النساء ضحية العقلية الذكورية المتفشّية في المجتمع والمكرَّسة في القوانين السابق ذكرها وغيرها من القوانين، والتي تهيّئ الأرضية المؤهِله للذكور في الأسرة لممارسة العنف عليهن بكافة أشكاله في محاولة لتكريس سلطتهم عليهن باعتبارهن ملكية خاصة من ممتلكات الأسرة.
لذلك، نجد أن الحالات التي تقصد منظمة كفى عنف واستغلال هي من جميع المذاهب دون استثناء ومن مختلف المناطق اللبنانية ، رغم أنه لا يوجد لدينا سوى مركزين في بيروت وفي البقاع. كما أن النساء اللواتي يلجأن إلى كفى هن من مختلف المستويات التعليمية، بما فيهن الجامعيات. إن النسبة الكبيرة من هؤلاء السيدات يتعرّضن للعنف الجسدي الذي قد يصل في بعض الحالات إلى محاولة القتل والعنف الجنسي، كما وللعنف المعنوي بكافة أشكاله.
إننا، ونتيجة للوقائع الحياتية التي نعايشها مع السيدات اللواتي يقصدن مركز الدعم في كفى، نجد أن الخطوة الأساسية الأولى باتجاه إلغاء التمييز ضد المرأة، هو في إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية يكرّس المساواة التامة في كافة الشؤون المتعلقة بالأسرة، إذ بدون تكريس المساواة على هذا الصعيد، ستبقى الإصلاحات الأخرى إصلاحات شكلية لا تطال جوهر المشكلة التي تعاني منها النساء.
صحيح أننا نجحنا في إقرار قانون يحمي النساء من العنف الأسري – قانون 293، وصحيح أن مئات النساء قد تمكّنت لغاية اليوم من الاستفادة من إجراءات الحماية التي نص عليها القانون، إلا أنها تبقى إجراءات مرحليّة تحمي النساء من العنف المباشر لحين البت في أصل الدعاوى من قبل المحاكم الأساس، أي محاكم الأحوال الشخصية.
إن هذه القوانين الرجعية والذكورية التي تميّز ضد النساء، وبين النساء، هي شكل من أشكال العنف الذي تواجهه النساء في لبنان. إذ أنّ الكثير منهنّ يبقين في علاقات عنفية ويقمن بمساومات على سلامتهنّ وأمنهنّ، خوفاً من خسارة حقوق أو فقدان حضانة أطفالهن.
لذا ولتغيير هذا الواقع، لا بدّ من إعادة الإعتبار لموقع النساء في الأسرة من موقع التابع إلى موقع الشريك، ولا بد من قوننة هذه العلاقة السويّة من خلال إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية يساوي بين المواطنين والمواطنات بغض النظر عن انتمائهم الطائفي، كما ويعيد للدولة دورها في تنظيم أحوالهم الشخصية.
* نشر هذا المقال بتاريخ 1 تشرين الأول 2018 في جريدة "النهار" اللبنانية