يوم تذكرت ما حدث لي
كانت تعصف بي ذكرياتي الأليمة مساء كل يوم سبت وأنا أقود سيارتي وسط الطرقات الطويلة المعتمة والخالية، عائدةً الى منزل والديّ.
المرة الأولى كانت بعد أشهر كثيرة على بداية رحلتي مع "العلاج النفسي"، تماماً بعد أن تخيلت أنني عرفت كل شيء عن نفسي وفهمت سبب تعلقي المفرط بالأشخاص والأشياء وعن حساسيتي المفرطة، على الرغم من أنني كنت لا أزال أشعر بشيء من الضياع تجاه أحاسيس أخرى.
صفعتني مشاهد بشعة من طفولتي في السبت الأول، مشاهد ظهر فيها ابن عمي الذي يكبرني بعام واحد، ورأيت فيها نفسي وأنا في الخامسة من عمري تقريباً.
كان يقبلني على فمي رغماً عني ويريني وشقيقته عضوه الذكري ويضحكان.
لربما حاولت أن أطلب النجدة من والدي حين دخلت الى المطبخ في يوم من الأيام وزفيت له ولأمي خبر أنني اكتشفت كيف يكون شكل "الشي تبع الصبيان".
لا زلت أذكر عَينَي أبي الزرقاوين يتوسعان من الصدمة والغضب. بدأ أبي بالصراخ بأعلى صوته، ثم دار وجهه الى ناحية أمي واتهم ابن خالتي (بمجرد أنه قريب والدتي لا قريبه) بأنه هو وراء ذلك.
يبدو أن ردة فعل أبي هذه زادت من خوفي، فصرت أفعل كل ما يطلبه منّي إبن عمّي، شرط ألا يقول شيئاً لوالديّ.
تطوّر الأمر بعد ذلك ليستفرد بي مرات عديدة جداً ويطلب مني لمسه ولمس عضوه وأن أريه عضوي وإلا سيقل لوالديّ " كل شيء".
كان يطلب مني أشياء غريبة، لم أفهم حينها لماذا كان يمسك بعضوه الصغير ويحاول ادخاله داخلي. ولا لماذا هو يلتذ بذلك. وهل يتلذّذ فعلاً؟
تذكرت أيضاً حفلة زفاف ابنة عمتي التي أقيمت في حديقة عامة، حاول ابن عمي حينها تقبيلي رغماً عني أيضاً أمام أقربائنا الأولاد الذين اصطفوا على شكل نصف دائرة، حيث كنا نلعب بعيداً عن المدعوين.
أكثر ما أتذكره هو مدى خوفي ومحاولتي إبعاده عني، صراخي وتمزّق روحي، في حين كان الأطفال الآخرون يضحكون، إلى أن انتبه أحدهم إليّ، فأبعده عني.
بكيت كثيراً في غرفة العلاج النفسي. ولم أكن أعلم قبل أن تفسّر لي المعالجة، أنّ ذلك يسمّى اعتداءً بكل ما للكلمة من معنى، على الرغم من أن المعتدي ليس بالغاً، ولم يتمّم الثامنة عشرة من عمره.
"هل أحدهم قام بشيء لا تريدينه؟ هل ما قام به أزعجك أو جعلك تشعرين بعدم راحة؟ هكذا تصنّف أفعال التحرش والاعتداء والاغتصاب".
قالت لي المعالجة أيضاً أنه من المرجح أن يكون ابن عمي ضحية شخص اعتدى عليه هو الآخر.
بعد أسبوع واحد أو اثنين، وفي الظروف نفسها، صفعتني الذكرى الأقسى. اعتدت عليّ خالتي لكن لمرّة واحدة، على السرير المجاور لسريرها في منزل جدتي، حيث تسكن.
تمدّدت الى جانبي على السرير ولمست عضوي وداعبته، ثم سألتني "مبسوطة؟". لم أجرؤ على قول شيء، كنت خائفة ومصدومة. لطالما كانت خالتي تخيفني بسبب حديثها عن "الكتيبة" والشياطين وقولها انهم يلاحقونها وانهم لن يسمحوا لها أن تكون سعيدة في حياتها. فأجبت على سؤالها بصوت مترجف وخافت "إيه".
أنا أبوح بتفاصيل هذا الاعتداء هنا للمرة الأولى، عن طريق الكتابة، حيث كان من الصعب جداً عليّ أن أعبر تماماً عمّا حدث بالقول أمام المعالجة أو أمام والدتي التي أخبرتها مؤخراً بكل هذا.
لم يتحدث أهلي معي يوماً عن أي موضوع يتعلّق بالجسد، وكأنّ الجسد شرير، لم يعرّفاني على جسدي. والأطفال أذكياء وفضوليين. أتذكر أنني عندما حصلت على دورتي الشهرية للمرة الأولى، لم أكن أعلم شيئاً عن الموضوع، بدأت بالصراخ لأمي من على كرسي الحمام. خفت أن أقف. "ماما!! عم ينزل مني شي أحمر. يمكن دم!".
نسيت أو تناسيت حادثتي الاعتداء طويلاً. عشت لسنوات وأنا بانفصال تام عن أحاسيسي. كيف أسمح لمشاعر الاشمئزاز والكره والخوف أن تظهر عليّ وأنا أرى خالتي وابن عمي بشكل دائم. ماذا أقول لمن ينتبه إلى كرهي لهما؟ كان عليي ألا أتذكر فلا أشعر ولا أفكر ولا أخاف ولا أبوح. كان عليّ أن ألقي التحية عليهما وأقبّلهما في كل مرة أراهما فيها. وكان عليّ أيضاً أن أضحك على نكاتهما المريضة وأن أبتسم في وجههما.
فكرة أن عقلي أو ما يسمى بالوعي الخاص بي كان يخبئ هذه الأحداث لأنها فظيعة في منطقة النسيان أدهشتني. عشت طوال هذه السنوات وأنا في حالة تسمى بالإنكار. كنت أعتقد أن أحداً لم يتحرش بي أو يعتدي عليّ خلال طفولتي. ولم أشك يوماً في الأمر.
قبل نبش الذاكرة وعودة المكبوت، كنت أسمع قصص أطفال وشابات وسيدات تعرضوا للتحرش أو الاغتصاب، أحزن على مآسيهم بشدة ولا أتذكر مأساتي. لا يتخيّل لي أنني واحدة منهم ومنهنّ.
لم يخف أبي وأمي من ابن عمي وخالتي، خافا من الغرباء فقط، من عابري السبيل، من سائق باص المدرسة وعمال التنظيف فيها. خافا من الساحات الواسعة، من الملاعب المكتظة، خافا من حفلات أعياد الميلاد، من زملائي الذكور في المدرسة ومن دور السينما، لكنهما لم يفكرا مرتين في البيوت الدافئة والمقربين.