هل يشعر الجنين بالألم خلال إجهاضه؟
منذ تصويت مجلس الشيوخ في ولاية ألاباما الأميركية على قانون يمنع الإجهاض في جميع الحالات تقريباً وابتداءً من لحظة حصول التلقيح، بما في ذلك في حالات الاغتصاب وسفاح القربى، واتّباع الجمهوريين في ولاية ميزوري الخطوات ذاتها مع بعض الفوارق، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم بالحدث.
نساء وسياسيون وحقوقيون حول العالم استنكروا تقييد الحريات والتعدي على الخيارات الشخصية للنساء وقوننتها.
وعلى الضفة الأخرى، يَعتبر سياسيو الحزب الجمهوري الأميركي المحافظ ومؤيدو القرار حول العالم أنّ هذا القرار هو بمثابة موقف "مؤيد للحق بالحياة".
إلا أنّ المفارقة أنه وبعد يوم واحد على توقيع حاكمة ولاية آلاباما كاي إيفي على قانون حظر الإجهاض "تأييداً للحق بالحياة"، وقّعت إيفي على قرار إعدام أحد السجناء وبالفعل تمّ إعدامه بحقنة قاتلة وهو سابع سجين يتمّ إعدامه خلال ولاية إيفي.
بعد يوم واحد على توقيع حاكمة ولاية آلاباما على قانون حظر الإجهاض "تأييداً للحق بالحياة"، وقّعت على سابع قرار إعدام لسجناء
خبر آخر ضجّ مواقع التواصل في الأيام القليلة الماضية وهو إعادة نشر بعض المواقع الإخبارية العالمية لخبر استقالة الممثل الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا تيم مورفي العام الماضي، بعد نشر عشيقته لرسالة كان أرسلها لها يدعوها فيها إلى إجهاض جنينها منه. وذلك بعد أيام قليلة على تمرير قرار منع الإجهاض ابتداءً من الأسبوع العشرين من الحمل كان رعاه مورفي وضغط من أجل إقراره "تأييداً للحق بالحياة".
الأجنّة والشعور بالألم
من أبرز الحجج التي تبنّاها مناهضو الإجهاض للدفاع عن القرار الذي يسلب النساء حقّ تقرير مصير أجسادهنّ وحيواتهنّ، هي أنّ الجنين يُعّذب ويشعر بألم شديد وهو "يُجهض ويُقطّع ويقتل" تماماً كما لو فعلنا ذلك بطفل مولود أو شخص راشد.
لكن ما حقيقة هذه التصوّرات؟
أصدر الحاكم الجمهوري في ولاية يوتا الأميركية عام 2016 قراراً يقضي بتخدير الأجنة التي سيجرى إجهاضها بعد الأسبوع العشرين من الحمل قبل البدء بعملية الإجهاض، مبرّراً ذلك بأن الأجنة يشعرون بالألم ابتداءً من الأسبوع العشرين من حصول التلقيح.
استنكرت مجموعة من الأطباء في يوتا هذا القرار قائلين إنّ الجنين لا يشعر بالألم خلال الإجهاض ابتداءً من الأسبوع العشرين. ثمّ ذهبوا بالقول إنه وإن سلّمنا جدلاً إنه يشعر بالألم، فإنّ المرأة الحامل تُخدّر قبل البدء بعملية الإجهاض ويكون الجنين أيضاً تحت تأثير المخدّر، معتبرين أن الحديث عن مخدّر إضافي مخصّص للجنين لا أساس علمياً له وهو ليس إلا "بروباغاندا" من الحزب الجمهوري المسيحي المحافظ.
كما ونشرت مجلة الاتحاد الطبي الأميركي مقالاً علمياً يخلص الى أنّ الجنين لا يشعر بأي نوع من الألم في المراحل التي غالباً ما يتمّ الإجهاض خلالها. وذلك لسببين هما: عدم تكوّن النظام الذي يمكّن الجنين من الإحساس بالألم في المراحل الأولى من الحمل. وتكوّن النظام الذي يمكّن الجنين من الإحساس بالألم في المراحل الأخرى ولكن دون أن يعمل.
ويقول الأطباء كتاب المقالة بأنّ الشعور بالألم يحتاج لوعي نفسي وجسدي بالمحفزات المؤلمة وأن إدراك الجنين للألم غير مرجّح قبل المرحلة الثالثة من الحمل أي ابتداءً من الشهر السادس وأسبوع أو اثنين.
الإجهاض كفعل تلقائي وطبيعي
استعرض الطبيب النفسي المصري نبيل القط، في مقال نشر الشهر الماضي في موقع "مدينة" ما تمرّ به النساء بعد الإجهاض على الصعيدين النفسي والجسدي. وأشار إلى دور الأهل والمجتمع والقوانين في التأثير على حالة الإمرأة المُجهضة وفي تحسيسها بالذنب.
"یُسقط المجتمع غضبه وشعوره بالذنب على المرأة؛ فهي تعاقب مرات عدیدة؛ مرة لأنها ولدت أنثى، وتعاقب لأنها كبرت وأصبحت بنتاً تجذب الفتیان، ولأنها جمیلة، ولأنها مثیرة، ولأنها لا تُمارس الجنس وباردة، وتعاقب أكثر لأنها تُمارس الجنس وفاسقة، وإذا حملت عوقبت لأنها أصبحت مثل البلاص خصرها مثل عجزها – كما اعتاد أحد أساتذة التشریح في كلیة الطب أن یقول – وإذا لم تحمل عوقبت لأنها عقیم، وإذا ولدت عوقبت لأنها مریضة ومشغولة بالوليد عن زوجها؛ كل هذا العقاب تأخذه المرأة وتدمجه ذاتیًّا في مشاعر ذنب واحتقار وعقاب شخصي لأي فعل إیجابي أو سلبي تقوم به؛ لیتكوَّن داخلها شعور مزمن بالذنب مثل خرّاج مليء بصدید، وعندما یحدث الإجهاض ینفجر هذا الخرَّاج في وجهها بكَم من المشاعر المؤلمة."
وقارن القط في مقاله أيضاً بين الإستعداد الجسدي للحمل والإستعداد النفسي له قائلاً:
"الجسد يقوم تلقائيًّا بالإجهاض بشكل طبیعي لا ینتظر قوانین أو تشریعات أو فتاوى؛ فبعض الأجسام – لأسباب غیر معروفة غالبًا – ترفض الاحتفاظ بالخلایا الجنینیة داخلها وتلفظها سریعًا أو بطیئًا، مبكرًا في عمر الجنین أو متأخرًا، ویمكن للحمل أن یستمر فقط عندما یكون الجسد جاهزًا بیولوجیًّا لاستقبال واحتضان الجنین، وعندما تكون خلایا الجنین خالیة من التشوهات العائقة. فهل ینطبق هذا الترتیب على الاستعداد النفسي؟ بمعنى أن یعامل كالاستعداد الجسدي، ویكون من حق المرأة أن ترفض الاحتفاظ بالجنین فقط لأنها غیر مستعدة نفسیًّا، لا لأن حیاتها معرضة للخطر كما تنص التشریعات الحالیة، وذلك أسوة بجسدها الذي یمكنه أن یرفض الجنین في حالة عدم استعداده بیولوجیًّا."
تداعيات حظر الإجهاض
حظر الإجهاض يدفع النساء الى القيام بإجهاض غير آمن، ممّا يعرّض حياتهنّ للخطر، وهناك تقارير عديدة وثّقت النتائج الكارثية لهكذا ممارسات على المرأة في أكثر من بلد منع الحق بالإجهاض.
في العام 1966، منع حاكم رومانيا نيكولاي تشاوتشيسكو الإجهاض ووسائل منع الحمل في محاولة لرفع عدد سكان البلاد.
نجحت خطته على المدى القصير وخلال عام ارتفع عدد الأطفال المولودين لأمهات رومانيات من 1.9 إلى 3.7.
إلا أنّ عدد الولادات هبط بعد ذلك بشكل كبير مع إيجاد النساء وسائل للتحايل على قرار حظر الإجهاض.
كانت النساء غير الميسورات أكثر المتضررات من هذا القانون، إذ لم يتمكنَّ من إجراء عمليات إجهاض بالمستشفيات واضطررنَ إلى القيام بالعمليات في بيوتهنّ وفي أماكن ملوثة وغير مجهزة بأبسط المعدات الطبية اللازمة.
توفيت أكثر من 10 آلاف إمرأة جراء عمليات الإجهاض غير الآمنة حتى العام 1989. الرقم الحقيقي للوفيات أكبر بكثير إلا أنّ التستر على الوفيات كان أمراً ضرورياً، حيث كانت النساء اللواتي يطلبنَ الإجهاض وأطبائهنّ يواجهون سنوات طويلة من السجن إذا تمّ القبض عليهم.
الإمرأة التي تأتيها الدورة الشهرية: قاتلة متسلسة
استعاد العديد من مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي مؤخراً مقتطفات مما قاله الكوميدي الأميركي الشهير جورج كارلن في العام 1996 عن "شيطنة" الإجهاض منذ لحظة تلقيح البويضة وعن الحديث عن "الحق بالحياة":
"حتى بعد حصول التلقيح، لا يزال أمام البويضة الملقّحة ستة أو سبعة أيام قبل أن تصل إلى الرحم ويبدأ الحمل. ولا تصل كل بويضة ملقحة الى هذه المرحلة. ثمانون في المئة من بويضات المرأة التي يتم تلقيحها بنجاح "تُشطف" وتطرد من جسدها مرة واحدة في الشهر خلال تلك الأيام القليلة الجميلة (الدورة الشهرية). فينتهي بها المطاف على الفوط الصحية، ومع ذلك فهي بويضات ملقّحة! لذلك ما يقوله لنا هؤلاء الأشخاص المناهضون للإجهاض هو أن أي إمرأة تأتيها الدورة الشهرية لأكثر من مرة هي قاتلة متسلسلة!".