"الفرار" والتهم الكيديّة بحق عاملات المنازل: "اتهمتُها ولم تسرق شيئاً"!
غادرت هانا (عاملة مهاجرة) منزل كفيلها نديم قبل ٣ أشهر حيث كانت تعمل في الخدمة المنزلية. في الحالات الطبيعية، في الدول التي تدرج الخدمة المنزلية في قانون العمل وتنظّمها في عقود قانونية واضحة ترعى حقوق الطرفين، كان الحدث انتهى هنا. لكن في لبنان، حيث نظام الكفالة هو الذي يحدّد أطر العلاقة بالعمل وبالعاملات فيحوّلها إلى علاقة تملّكية استعبادية، كان على نديم اللجوء إلى المحاكم والأجهزة الأمنية ليس فقط للتبليغ عن مغادرة هانا المنزل بل لرفع شكوى "فرار" ضدّها بعد فبركة جريمة سرقة بحقّها. لماذا يتحوّل حقّ مغادرة العمل في لبنان إلى "فرار" وكيف يتمّ بسهولة تلفيق تهمة السرقة زوراً لعاملة لم ترتكب أي جرم؟! في إطار متابعة "كفى" لقضية تهم السرقة الكيدية التي يتقدّم بها الكفلاء زوراً ضد عاملات المنازل المهاجرات بغية تسجيل بلاغ "فرار"، الأمر الذي يؤدّي إلى إدانتها غيابياً ومن ثم سجنها من دون إجراء محاكمات عادلة في أغلب الأحيان، تتابع المنظمة العمل مع الجهات المعنية لمحاولة تغيير الوضع القائم. بعد طاولة مستديرة نوقشت خلالها القراءة القانونية التي قامت بها "وحدة الاستغلال والاتجار بالنساء" في "كفى"، وجّهت المنظمة كتاباً رسمياً إلى المديرية العامة للأمن العام طلبت فيه إجراء بعض التعديلات كخطوة أولى لتصحيح أسلوب التعاطي مع قضايا عاملات المنازل والانتقال من العلاقة الاستعبادية إلى علاقة عمل سليمة، وسعياً إلى إرساء أطر قانونية عادلة تفرض تدابير مدنية للتعامل مع قضايا عملهنّ.
حلقة من سلسلة العنف
ترى المنظمة أن شكاوى السرقة الكيدية الشائعة أصبحت حلقة من سلسلة متكاملة لمختلف أشكال العنف التي تمارس بحق عاملات المنازل. وقد لاحظنا أن ما يسهّل القيام بهذه الممارسات هو أن تبليغ صاحب العمل عن ترك العاملة منزله من أجل رفع المسؤولية عنه تجاه السلطات، يتمّ عبر تقديم شكاوى في النيابات العامة المختلفة أو في فصائل قوى الأمن الداخلي مباشرة وتُستتبع بإحالة المحاضر الناتجة عن هذه الشكاوى الى المديرية العامة للأمن العام. وبما أن ترك العمل من قبل العاملة لا يعتبر جرما جزائياً، يقوم أصحاب العمل بالادعاء بجرم السرقة الكيدية كي يتمكّنوا من تسجيل شكواهم وفي بعض الأحوال تكون هذه الممارسات انتقاماً من العاملة واستكمالا لإحكام الطوق عليهن. كما تبيّن أن تعابير " الفرار" او "الهروب" هي التعابير المستعملة في هذه المحاضر الرسمية لوصف ترك العاملة منزل كفيلها على الرغم من أن استعمالها لا يستند إلى أي نص قانوني، وهي ليست إلا تعابير اجتماعية تدلّ على النظرة الاستعبادية والتملّكية تجاه هذه الفئة العمّالية، ما يشكّل خرقاً لحقوق الإنسان بشكل عام، ومخالفة للنصوص القانونية بشكل خاص.
ما هي مطالبنا؟
انطلاقاً من كلّ ذلك، رفعت "كفى" كتاباً رسمياً طلبت فيه من المديرية العامة للأمن العام التالي:
أولاً، وضع تدابير إدارية جديدة تمكّن صاحب العمل من إجراء التبليغ الإداري عن مغادرة العاملة منزله مباشرة في مراكز الأمن العام بموجب نموذج يعتمد لذلك كإجراء روتيني إداري يرفع بموجبه عنه أي مسؤولية مدنية يمكن أن تترتب عليه تجاه الأمن العام وذلك بهدف الحدّ من شكاوى السرقة الكيدية المقامة زوراً بحق عاملات المنازل.
ثانياً، وضع تعميم يمنع استعمال أية تعابير مخالفة للقوانين أو لحقوق الانسان، عند وصف واقعة ترك العاملة منزل كفيلها مثل "فرار" أو "هروب" في كافة المحاضر الرسمية واستبدالها بتعابير قانونية مثل "ترك أو مغادرة المنزل". إذ إن تعابير كـ "الفرار" و "الهروب" وغيرها تدلّ على تملّك العاملة واعتبارها سجينة لدى كفيلها، علماً أن استخدام تلك التعابير في القانون مرتبط حصراً بوصف واقعة الفرار من السجن أو من أي مكان احتجاز. يبقى أنّ الجهود المبذولة لكسر الأنماط الاستعبادية التي أرساها نظام الكفالة للانطلاق الى مجتمع أكثر تمدّناً واحتراماً لحقوق الانسان، لا تزال مقيّدة بعدّة قيود وعقبات يجب الإسراع بإزالتها للحدّ من الوضع الكارثي في هذا المجال.
كلّ الأسماء الواردة في النصّ هي أسماء مستعارة.