عندما أرَدْتُ أن أكون ذكراً

عندما أرَدْتُ أن أكون ذكراً

أذكرُ جيّداً أوّل مرّة تمنيت فيها أن أكون ذكراً. كنتُ في بداية مرحلة البلوغ، وكان صدري قد بدأ بالظهور بشكلٍ كان مخجلاً بالنسبة لي. عمرو، الذي يصغرني بعامين، كان من أعزّ الأصدقاء في حينها. ما أن أنهينا لعبة كرة القدم وجلسنا على الرصيفِ، حتّى ضحكَ وقالَ لي إنّ مظهري يبدو غريباً بالنسبة لهُ وأنا أحملُ تفاحتين في صدري. خجلتُ منه قليلاً ولكننا ضحكنا، إذ بدا الأمر غريباً بالنسبة لي أنا أيضاً، وبدا الحديث أشدّ غرابةً وغير مناسب اجتماعيّاً. عمرو كان صديقي المقرّب الذي كنّا دائماً نقعُ في المشاكل معاً،ا ندفن بقايا ضفادع الحيّ، ونصنعُ الأفخاخ للجيران، نذهب إلى الشاطئ ونصطاد الأسماك الصغيرة. كان عمرو يضحك دائماً على خوفي من قناديل البحر ويركض خلفي ببقايا قنديل أكلتهُ الأمواج ليرعبني، فنقضي يومنا في شجارٍ ونحنُ نسابقُ حبّات الرمل على طول الشاطئ. فجأةً،  ذاتَ صيفٍ، كان يجب أن يتحوّل عمرو، الفتى الشقيّ صاحب العينين البحريتين والغمازتين الشقيتين، إلى مجرّد ذكر لا أستطيع أن أسرّ لهُ بكلّ ما يجول بخاطري. سألني بحذرٍ إن كنتُ أعتقد أنّه بإمكاني أن اتابع لعب كرة القدم إن كبرَ صدري أكثر من ذلك وصار بحجم صدر والدته. لم أكن أعرف إن كان بإمكاني ذلك فعلاً وتخوّفت من الفكرة. تخيلت منظري بصدر والدته وخفت! حزنت يومها وشعرتُ بأنّ الطبيعة ليست عادلة.

وفعلاً بعد حوالي السبعة أشهر، بدأ الأصدقاء من صبية الحيّ يرفضون أن ألعب معهم بحجّة أنّ لياقة أجسامنا باتت مختلفةً، وأنني عبء على الفريق. وطلبوا منّي أن أجد صديقاتٍ أمضي الوقت معهنّ لأنّه من غير المناسب أن نكون أصدقاء بعد الآن، فقد اختلفت اهتماماتنا.

الأكثر إزعاجاً بالأمر أنّهُ أتى بشكلٍ جماعيّ وكأنّه المعطى العام في الحياة. وكأنّ قدري بأن أكون أنثى يعني أن تتوقف اهتماماتي الخاصّة عند مرحلة البلوغ، وأبدأ رحلةً من التماهي المطلق مع قوانين إجتماعيّة. في تلكَ المرحلة العمريّة، ذكرَ عمرو أمامي مرّةً أنّهم يقومون في إستراليا بعمليّاتِ تحوّلٍ جنسيّ شرط أن يكون المرء قد تجاوز الـ 18. وكان هذا الحلّ الذي تعايشت معهُ: «بس أكبر بدّي غيّر جنسي وصير رجال»، العبارة التي كانت تسهّل ُعليّ كمّ الكبت الذي كنت أعيشه.

أدركتُ أنّ جزءاً من نضالي في هذا العالم يبدأ من كوني أنثى

ازدادت هذه الرغبة عندما بدأت ألاحظُ كم كان من السهلِ على أخي الذي تربّينا معاً على المساواة والعدل داخل المنزل، أن يحصل َعلى ميزاتٍ إجتماعيّةٍ مختلفة بشكلٍ مباشر أو من خلال اللهجة التي بدأ الجميع يكلّمه بها كما لو أنّهُ المعني بالمسؤوليات، بينما كانت اللهجة معي عبارةً عن نصائحَ لأصبح "أنحف"، «أجمل»، «صاحبة صوتٍ ناعمٍ»، «ضهرك شدّي» الخ. كان ذلك يغضبني، وبدأتُ أشعر بأنني غير موجودة إلّا لأسمع النصائح وأكون مجرّد نسخة أخرى من شيء معدّ مسبقاً، أنا التي كنتُ أحلمُ بتغيير العالم مذ كنتُ في السابعة من عمري، وأنتظر لحظة إمتلاك مساحةٍ كي أعيد البحث بتوزيع الموارد بعدالةٍ وأقوم بمعالجة قضيّة الفقر (التي كنتُ أعتقد أنها المشكلة الحقيقيّة الوحيدة في العالم!). هكذا ودون أن أكون قد ارتكبتُ أيّ ذنب، تهمّشت وهمّشت أحلامي وطموحاتي وأفكاري وترتّب عليّ منذ أن كنت في الـ 12 من عمري أن أتفهّم أنّ للمجتمع عاداتِهِ التي لا يمكنني تغييرها أو كسرها، وعليّ أن أجدَ الطريقة للتعايش معها.  

لم أفهم، وكنتُ أرفض أن أفهم هذه العادات اللامنطقية التي لا تشبه عدالة المنزل التي لم تفرّق بيني وبين أخي يوماً ولم تشعرني بالنقص لمجرّد كوني أمتلك عضواً أقلّ أو عضواً أكثر في جسدي.

لذا كان الحلّ المنطقيّ بالنسبة لي أن أساير الواقع إلى أن أبلغ الـ 18 وأقوم بعمليّة التحوّل الجنسي! هكذا وببساطة، كان عليّ الانتظار ثماني سنواتٍ، لكنّ الأمر كان يستحقّ.

وبينما كنت أكبر، ولأنني كنتُ محظوظة بشخصيات نسائيّة قويّة وجميلة، بدأت أفهم أكثر تعقيدات كوني أنثى، بدأتُ أتصالح مع أنوثتي وأحبّها وأحبّ تفاصيلي الأنثويّة بكلّ تعقيداتها الإجتماعيّة. أدركتُ أيضاً أنّ جزءاً من نضالي في هذا العالم يبدأ من كوني أنثى، وهذه ليست مشكلة أحلّها بأن أتماهى تماماً مع هذا التنميط الأعمى وأغيّر جنسي هرباً من المشكلة، خاصة بعد أن فهمتُ أكثر بأنّ عمليات التحوّل الجنسي هي نفسها قضيّة من قضايا هذا العالم، وأنها ليست، كما كنتُ أعتقد، للسيدات اللواتي يرغبن بتغير العالم لكنّ الأعراف الإجتماعيّة منعتهنّ من تحقيق ذلك.

اليوم، أمرّ بمواقف كثيرة أتمنّى فيها لو كنتُ ذكراً كي أكون مسموعة أكثر أو مرتاحةً أكثر، أو شاعرة بالأمان أكثر، وألا أضطرّ للمسايرة أو ما إلى ذلك من تفاصيل، ولكنّ هذا لم يعد مانعاً من أن أحبّ أنوثتي وأفتخر بها كهويّة من هوياتي المركّبة.

مدوّنة سورية