حين عدتُ إلى باص المدرسة
أستيقظ في الصباح الباكر وأراقب من شبّاك غرفتي رفيقتَيْ راما وإكرام وهما في طريقهما الى المدرسة. تعود الى ذاكرتي صورتي وأنا أمشي في شوارع حلب للذهاب الى مدرستي، وأستعيد حلمي القديم بأن أصبح معلّمة. لكنني سرعان ما أتذكر أنني لست في حلب، وأنني لم أعد أذهب الى المدرسة، فكيف لي أن أصبح معلمة.
أنا في الرابعة عشرة من عمري، وعلى مشارف الزواج من شاب يُعجبني ويعتقد والدي أنه الشخص المناسب لي. أختي سنا تزوّجت عندما كانت بعمري من شاب عمره 18 سنة، لكنّ الحظ لم يحالفها لأنه هاجر إلى كندا وتركها هنا، فتطلّقت منه بعد عناء طويل.
نسكن أنا وعائلتي في حي العبودية في منطقة برّ الياس، وهو حيّ بعيد عن المدرسة، ووالدي لا يسمح لي بالسير إليها خوفاً من أن يُتحرّش بي، وفي الوقت ذاته، لا يمكنه تحمّل تكاليف المواصلات. حالتي هذه تشبه حالة العديد من الأطفال في الحيّ.
أذهب صباح كل يوم الى الدكان المجاور لكي أشتري لأمي حاجيات المنزل. صرت ألتقي بالشاب والشابّة ذاتهما يدخلان يومياً الى منزل بجانب الدكان، ويكون هناك نساء ورجال من الحيّ في انتظارهما. في أحد الصباحات، سألت إحدى الجارات عن هذه الجلسات، فأجابتني أنها اجتماعات لأعضاء لجنة حماية الأطفال داخل الحيّ، وأن هذين الشخصيى ويدرّبان المجتمعين على كيفية حماية أطفال الحيّ من المخاطر التي يمكن أن يتعرّضوا لها.
لم أكترث وقتها كثيراً لما قالته لي. عدتُ إلى منزلنا وحيطانه الحديديّة، ووجدتُ أمي وأختي سنا تخطّطان لزفافي في الصيف. وضعت الأكياس على الأرض وتوجّهت إلى غرفة النوم. رأيت الغرفة مغطّاة باللون الأبيض. لحقت بي أمي وقالت لي والحسرة بعينيها: "اختاري الفستان الذي يعجبك ويليق بك وبعرسك". شعرتُ بغرابة شديدة. أريد أن أكون معلمة، لكنني سأصبح عروساً.
في اليوم التالي على سؤالي إحدى الجارات عن موضوع الجلسات، نادتني مريم، إحدى سيدات الحيّ، وأنا أدخل الدكّان وطلبت منّي الانضمام إلى الجلسة الصباحية مع نساء الحيّ. رحّبن بي جميعاً، وقالت لي مريم بصوت دافئ: "نحن نعلم بأنّك ستتزوّجين قريباً، لكنّك ما زلتِ صغيرة، والمستقبل أمامك. الحياة لا تنتهي هنا، وعندما تكبرين، ستكون خياراتك وفرصك أوسع، وستختارين شريك حياتك بوعيٍ وقناعة". أضافت أمرأة أخرى "لا نريد أن نقطع بنصيبك، لكن الزواج مسؤولية كبيرة لفتاة بعمرك". وأخذن جميعاً يتحدّثن عن التزويج المبكر وخطورته الصحيّة والنفسيّة. بالفعل، شعرت أكثر أنني غير جاهزة للزواج الآن، واقتنعت بالأمر لأنّ طموحاتي كافّة ستُدفن في حال تزوّجت. فعبّرت لهنّ عن مخاوفي من غضب والدي من قراري هذا، ومن كون أمّي بسيطة جداً ذ والدي لا يأخذ برأيها في الشؤون العائليّة.
لكن مريم طمأنتني بأنها وأعضاء اللّجنة سيتولّون مهمّة إقناع أهلي بدعم قراري.
"همّ البنات إلى الممات". سمعتُ أمي تقول هذه العبارة في حديثها مع اللجنة عندما أتوا لزيارتنا. غير أنّه كان من السهل إقناعها لأنها هي أيضاً خائفة من زواجي، فهي لا تريد أن تتكرّر معي قصّة سنا، واقترحت أن يتابع الرجال في اللجنة الموضوع مع والدي لأنه هو صاحب القرار. وبالفعل، كثرت اجتماعات الرجال داخل الحيّ على شكل سهرات عاديّة، وكان النقاش يدور حول مواضيع حياتيّة عديدة، ومنها التزويج المبكر الذي ركّز عليه رجال اللجنة وعلى آثاره الخطيرة على الطرفين. لم يكن من السهل إقناع والدي بهذ الفكرة لأنه متمسّك بالعادات والتقاليد التي يؤمن بها، إلا أنّه مع الوقت بات داعماً لقراري بعدم الزواج.
اليوم، سأرتدي أجمل ثيابي لأنني، وأخيراً، سأصبح معلّمة مدرسة. لن أراقب راما وإكرام تذهبان إلى المدرسة، بل سأركب الباص الذي وفّرته لنا اللجنة مقابل مبلغ صغير، وسأنضمّ إلى رفاقي في رحلة تحقيق الأحلام.
*شهادة لسارة (١٤ عاماً) عن زواجها المبكر الذي لم يتمّ، ودور لجان حماية الأطفال التي أنشأتها "كفى" في بعض المخيمات في البقاع.
* إن مشروع حماية الأطفال في منظمة كفى هو بالشراكة مع يونسف وبالدعم من الاتحاد الاوروبي ووزارة التنمية الدولية البريطانية