عاملات منازل يبعثن رسائل بمطالب محددة لصناع القرار
في 1-12-2015، تمّ إرسال 3 رسائل إلى جهات معنيّة بتنظيم شؤون عاملات المنازل في لبنان، هي: مجلس الكتّاب العدل، الأمن العام اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، بمبادرة من عدد من عاملات المنازل الناشطات والمنتميات إلى جاليات مختلفة. المطالب التي رفعتها العاملات في الرسائل أدناه، مطالب محدّدة وقابلة للتنفيذ لو توفّرت الإرادة، وتتعلّق بشكل أساسي بتأمين نسخة مترجمة عن عقد العمل، وإمكانية تغيير صاحب العمل من دون اشتراط التنازل، خاصّة لدى وجود عنف واستغلال، والتحقيق الجدّي في وفيات عاملات المنازل في لبنان.
رسالة إلى اللواء عباس ابراهيم، مدير عام الأمن العام اللبناني
الموضوع: الطلب إلى جانبكم إفساح المجال أمام عاملات المنازل لتغيير أصحاب عملهنّ، وإعطاؤهنّ فترة سماح
جانب اللواء عبّاس إبراهيم المحترم،
تحيّة طيّبة وبعد،
نحن مجموعة من عاملات المنازل في لبنان، نتوجّه إليكم بهذه الرسالة لأننا كعاملات نشعر بأننا مقيّدات ومحاصرات بفعل نظام الكفالة غير الإنساني المُطبَّق علينا، وبفعل الشرط الإلزامي في الحصول على تنازل رسمي من صاحب عملنا الحالي إلى صاحب العمل جديد، في حال أردنا تغيير مكان عملنا.
نحن نعمل هنا لنعيل عائلاتنا في بلادنا، إلا أن استقرارنا ومستقبلنا في لبنان يبقى في يد صاحب العمل، الذي غالباً ما يتخذّ أحادياً كل القرارات المتعلّقة بحياتنا وظروف عملنا. هو الذي يقرّر بشأن تجديد عقد العمل مثلاً، أو "التنازل" عن العاملة، أو إعادتها إلى بلادها.
وهنا نذكر قصّة العاملة نيكيسا، التي لم تستطع تحصيل حقوقها المهدورة، مع العلم أنها كانت تتعرّض للاستغلال وسوء المعاملة على مدى سنوات في لبنان. فكانت صاحبة عملها تضربها وتحتجز أجورها، ممّا دفع بنيكيسا إلى الهروب إلى الشارع حيث وجدناها وقرّرنا مساعدتها. قمر، عاملة أخرى في حالة مماثلة. تبلغ قمر 18 عاماً، تكبّدت ديوناً كثيرة من أجل تأمين تكاليف الوسطاء وعمليّة الاستقدام والسفر للعمل في لبنان. ولكن بعد عدّة أشهر من العمل، لم تعطها صاحبة العمل أياً من مستحقاتها، فهربت قمر ولجأت إلى إحدى المنظمات طلباً للمساعدة. المؤسف أنها لم تحصّل حقوقها كاملةً، وعندما طلبت أن تعمل في مكان آخر كي توفي ديونها، رفضت صاحبة العمل توقيع أي تنازل. كما لم تأبه السلطات لطلب قمر ورحّلتها إلى بلادها.
بسبب هذا النظام، لا يمكننا ترك عملنا حتّى ولو كنّا ضحايا استغلال. إنّ العاملة المُستغلّة غالباً ما تجد نفسها أمام خيارات ضئيلة وغير عادلة، فإمّا أن تبقى عند صاحب العمل الذي يسيء معاملتها وتعاني بصمت، أو تهرب، ممّا يعرّضها لخطر التوقيف والترحيل. صحيح أنّ العاملة تملك خياراً ثالثاً وهو التقدّم بشكوى، إلّا أنها تدرك مسبقاً مدى تحيّز مؤسّسات الدولة ضدّها، وسيادة الأحكام الاجتماعيّة المُميِّزة ضد عاملات المنازل المهاجرات عموماً. ونحن نعلم أنه في غالبية الحالات، ينتهي المطاف بترحيل العاملات من دون تحصيل أي من حقوقهنّ، حتّى حين يبدين رغبةً في البقاء في لبنان والعمل مع صاحب عمل آخر، كما حصل مع قمر.
حضرة اللواء عبّاس ابراهيم، نحن ندفع ثمن نظام الكفالة غالياً، وأحياناً بحياتنا. لذا نسألكم أن تتّخذوا التدابير اللازمة لإعطاء العاملات مثل نيكيسا وقمر، والعاملات ضحايا الاستغلال الجسدي والجنسي، و/أو حجز رواتب، و/أو الخداع حول طبيعة عملهنّ (وهي أسباب تؤدّي إلى فسخ عقد العمل كما هو وارد في عقد العمل الموحّد)، "فترة سماح" في لبنان يستطعن خلالها إيجاد صاحب عمل جديد، من دون اشتراط الحصول على تنازل صاحب العمل الحالي أو السابق.
نتطلّع إلى ردّكم في أقرب وقت،
مع فائق الاحترام
راحيل زيغيي
إخلاص دوعا
لاكسمي شحتري
سارادا بوخري
رسالة إلى اللواء ابراهيم بصبوص، مدير عام قوى الأمن الداخلي
الموضوع: الطلب إلى جانبكم التحقيق ملياً في حالات وفيّات عاملات المنازل المهاجرات في لبنان
جانب اللواء ابراهيم بصبوص المحترم،
تحية طيّبة وبعد،
نحن مجموعة من عاملات المنازل في لبنان، نتوجّه إليكم بهذه الرسالة بإسم جميع العاملات اللواتي توفين على الأراضي اللبنانية ولا يزلن يمتن أو "ينتحرن" بوتيرة عالية منذ سنين. طالما استقبلت المطارات في كلّ بلدان الأصل، ومن دون استثناء، أعداداً من التوابيت الناقلة لجثامين عاملات منازل من لبنان. ونسمع في أوساط جاليات العاملات كافةً، تارةً خبراً عن عاملة توفيت إثر سقوطها من شرفة، وطوراً أنباء عن عاملة وُجدت مشنوقةً داخل منزل صاحب العمل. الجالية التوغولية وحدها، وهي من أصغر الجاليات في لبنان، شهدت حديثاً أربع حالات انتحار.
حضرة اللواء بصبوص، جئنا إلى هنا لنعمل لا لنموت ولا لننتحر. وبعد، هل نحن متأكّدات من أن جميع حالات "الانتحار" التي سمعنا عنها هي فعلاً انتحار؟ الواقع أن تحقيقات الشرطة وتقارير الأطباء الشرعيين بشأن معظم الحالات التي
صادفناها، تُنجز بسرعة، وتخلُص دوماً إلى نتيجة واحدة هي أن العاملة أقدمت على الانتحار. لكن ولا في أيّ حالة، أُطلعنا على الأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وأكثر من ذلك نسأل: ماذا لو كانت قد قُتلت؟
قيل لنا مرّة إن إحدى صديقاتنا النيباليات شنقت نفسها على الشرفة، لكن كان من السهل ملاحظة أنه لم يكن على تلك الشرفة ما يدلّ على إمكانية قيام شخص بتعليق حبل لشنق نفسه. في الرواية الرسميّة، ذُكر أنها استخدمت شريطاً قصيراً، لكنّنا نعلم أنّ الشريط هذا كان ليقطع لو لُفّ على شخص بوزنها الذي يساوي ما يقارب ثمانين كيلوغراماً. ولو افترضنا أنّ أحداً لم يتسبّب بموتها باعتداء جسدي، أو افترضنا أنها فعلاً انتحرت، ألا يحق لنا أن نتساءل عن الأسباب التي قادتها إلى ذلك؟ لأصحاب العمل إجابة جاهزة في هذا الإطار، تعلّل انتحارها بإصابتها بالجنون.
هل جميع العاملات مضطربات عقلياً؟ وإن كنّ فعلاً كذلك، لمَ لا يقدمن على الانتحار في الفترة الأولى من حياتهنّ في لبنان؟ لماذا ينتحرن بعد سنوات من عملهنّ هنا مع اقتراب انتهاء مدّة عقد العمل؟ بحسب تجربتنا كعاملات منازل، إنّ أصعب فترة بالنسبة إلينا هي الأشهر الستة الأولى، إذ نعاني خلالها من الحنين إلى بلداننا، والعمل الشاق، والتعب، والانزعاج الدائم من صعوبة التواصل، وعائق اللغة، والبيئة الغريبة. مع ذلك، نلاحظ أن معظم حالات الانتحار تحدث بعد أربع، خمس، أو ستّ سنوات حين توشك العاملات على المغادرة.
لذا نسأل: ألا يمكن ربط حالات انتحار عاملات المنازل بالظروف اللاإنسانية التي يعشن ويعملن فيها في لبنان؟ فقد أظهرت بعض الدراسات مع العاملات أنّه في ظلّ نظام الكفالة، تعمل 56% من العاملات لأكثر من 12 ساعة في اليوم، وتتعرّض 21% منهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي، وأكثر من 80% من أصحاب العمل لا يسمحون للعاملات بمغادرة المنزل في يوم العطلة. كما يعيق نظام الكفالة فسخ العاملة لعقد العمل ولو بعد أعوام من بدئها العمل في لبنان، وحتّى لو كانت ضحية استغلال وسوء معاملة. أمام هذا الواقع، لا يمكننا إلا أن نكون مقتنعات بأنّ معاملة لا إنسانية كهذه هي التي تدفع العاملة لوضع حدّ لحياتها.
حضرة اللواء بصبوص، إنّ ظاهرة انتحار عاملات المنازل في لبنان ظاهرة في غاية الخطورة. لذا نتطلّع إلى أن تستجيب قوى الأمن الداخلي إلى النداء الذي نوجّهه لكم في هذه الرسالة، فتقوم بالتحقيقات اللازمة في كلّ حالة انتحار مزعوم لعاملة منزل، مثلما هي الحال عند وفاة أو انتحار أي مواطن لبناني. نأمل أن يقود عناصر قوى الأمن تحقيقات جديّة مبنيّة على أسس علميّة، وأن يجروا التشريح اللازم للجثمان لمعرفة سبب الوفاة قبل نقله إلى البلد الأمّ وفوات الأوان. فمن حقّ عائلة العاملة المتوفّاة أن تعلم بالتفاصيل المحيطة بموتها والأسباب الكامنة وراءه. ببساطة، نريد أن تُحترم حقوقنا الإنسانية، بدءاً من الأكثرها بديهيّة.
نتطلّع إلى ردّكم في أقرب وقت،
مع فائق الاحترام،
جانتيل كالوغا، ناشطة في الجالية التوغولية
سوجانا رانا، ناشطة في الجالية النيبالية ورئيسة مجموعة ناري لعاملات المنازل النيباليات
رسالة إلى رئيسة مجلس الكتّاب العدل الأستاذة ريموند بشّور
الموضوع: توفير عقد العمل الموّحد بلغات عاملات المنازل الوافدات إلى لبنان
جانب الأستاذة ريموند بشّور المحترمة،
تحيّة طيبة وبعد،
نحن مجموعة من عاملات المنازل المهاجرات في لبنان، نتوجّه إليكم بهذه الرسالة لنثير أمامكم مسألةً تخصّكم وهي شديدة الأهمية بالنسبة إلينا. أظهرت لنا تجاربنا أنّنا عندما نكون لا نزال في بلادنا، نوقّع على عقد عمل مع صاحب عملنا المستقبلي مكتوب بلغتنا الأم. لكن بعد وصولنا إلى لبنان، نوقّع مرّة ثانية على عقد عمل غالباً ما يكون مضمونه مختلفاً عن العقد الأوّل، خاصةً من حيث الأجر وشروط العمل. وأكثر من ذلك، العقد الذي نوقّع عليه في لبنان، هو غير مُترجم ولا نفهم مضمونه، فنكتشف بعد أشهر قدْر أجرنا الفعليّ وظروف عملنا الحقيقية، وذلك بعد أن نكون قد باشرنا بالعمل.
في لبنان حالياً أكثر من 200 ألف عاملة منزل وقّعن على عقد عمل لدى أحد الكتّاب العدل مرّة واحدة على الأقل خلال فترة تواجدهن هنا. وكل هؤلاء العاملات وقّعن على عقود منصوصة باللغة العربية، لم يشرح لهنّ مضمونها لا صاحب العمل ولا الكاتب العدل. "علامَ أوقّع؟ ما هو العمل المُتوقّع منّي؟ ما هي واجباتي وما هي حقوقي؟ كم يبلغ أجري؟ هل سأستفيد من ضمان أو تأمين صحّي؟"... هذه بعض الأسئلة التي تطرحها كلّ عاملة وهي توقّع على عقد مؤلّف من صفحتين لا تفهم من بنوده شيئاً.
باختصار، إنّ التوقيع على وثيقة نجهل اللغة التي كُتبت بها، ومن دون أن نمتلك خياراً سوى الموافقة غير المبنيّة على معرفة، هو انتهاك لأبسط حقوقنا الإنسانية والعمّالية. لذا نريد أن يتوفّر عقد العمل الذي نوقّع عليه، لدى أيّ كاتب عدل، بلغتنا الأمّ، ولحين أن يتوّفر ذلك، أن يُفسّر لنا العقد ملياً قبل أن نوّقع عليه.
وعليه، نطالبكم ببذل الجهود اللازمة لوضع حدّ لهذا الانتهاك واتّخاذ التدابير المناسبة لتوفير عقود العمل بلغات عاملات المنازل الوافدات إلى لبنان.
نتطلّع إلى ردّكم في أقرب وقت،
مع فائق الاحترام،
نيرو سابا،
سارسي غورونغ