شكاوى "الفرار" والسرقة الكيدية بحقّ عاملات المنازل المهاجرات: نقاش مع المعنيين ورفع توصيات
كيف يمكن أن ينتهي أمر بعض عاملات المنازل المهاجرات في السجن رغم عدم ارتكابهن الجرم المنسوب إليهن؟ ماذا يعني أن يلجأ صاحب عمل لإلصاق تهمة السرقة بحق العاملة التي غادرت منزله ليتمكّن من التبليغ عن مغادرتها رسمياً؟ لماذا يستسهل القضاء النظر في شكاوى السرقة بحق عاملات المنازل اللواتي يغادرن أماكن عملهن؟ لماذا تُسمّى "شكاوى فرار" وهذا التعبير غير قانوني أصلاً؟ كيف يبني القضاء أحكامه على أسس غير قانونية ومحاكمات تفتقر للأصول في مثل هذه القضايا؟
ملف شكاوى "الفرار" والسرقة الكيدية بحق عاملات المنازل المهاجرات في لبنان هو أحد الملفات المعقّدة التي تُنتهَك فيها حقوق العاملات ممّن يغادرن أماكن عملهن في ظل غياب آليات واضحة لفسخ عقود العمل.
قرّرت "كفى" أن تعالج هذه الأزمة عن قرب فدخلت إلى المحاكم واطّلعت على عدد من قضايا "الفرار والسرقة" التي حوكمت على أساسها بعض العاملات وعلى المسارات القضائية التي رافقتها بدءاً من عمليات التوقيف مروراً بالتحقيقات وصولاً إلى الأحكام الصادرة وما تلاها من إجراءات. وبعد إتمام القراءة القانونية حول تلك الشكاوى والأحكام والتجارب وبناءً على عدد من الاستنتاجات والملاحظات نظّمت وحدة "الاستغلال والاتجار بالنساء" في "كفى"، طاولة مستديرة مع ممثّلين عن وزارة العدل اللبنانية ومديرية الأمن العام وقوى الأمن الداخلي، فيما اعتذر ممثل وزارة العمل عن الحضور. نوقشت خلال الجلسة نتائج القراءة القانونية التي أعدّتها "كفى" ورفعت توصيات من شأنها أن تحدث بعض التغيير في تلك القضايا.
"اتهمتُها بالسرقة ولم تسرق شيئاً"
بدايةً، عرضت "كفى" شهادة خاصة لصاحب عمل اضطرّ مكرهاً إلى إلصاق تهمة السرقة بالعاملة التي غادرت منزله فجأة بعد أن تعذّر عليه التبليغ عن "فرارها" لدى الجهات المختصة التي لم تسجّل شكواه من دون أن يرفقها بتهمة سرقة. صاحب الشهادة أكّد أنها لم تسرق شيئاً قبل مغادرتها وقال إنه فعل ما فعله مرغماً فقط "ليرفع عنه المسؤولية بطريقة رسمية". بناءً على ما جاء في الشهادة قال الحاضرون إن الجميع محكومون بإجراءات التبليغ القانونية المنصوص عليها حالياً من دون وجود البدائل. بعد الشهادة عرضت "كفى" ملخّص قراءتها القانونية وأبرز استنتاجاتها التي ركّزت على مخالفة القضاء أصول المحاكمات العادلة في قضايا "الفرار والسرقة" إن لناحية ضمان حقّ الدفاع عن المدّعى عليهن أو لناحية جدّية التحقيقات والبحث في خلفيات مغادرة العاملة المنزل والتوسّع في أقوالها وتأمين مترجم لها… كما نبّهت القراءة إلى معاكسة القضاء لأسس المبادئ القانونية كعدم استناده الى الأدلّة لإثبات الجرم أو تكريس استخدام مصطلح غير قانوني هو مصطلح "الفرار" وتجريمه في حين لا يوجد أي نص قانوني يبيح ملاحقة العاملة قضائياً لمجرّد أنها تركت عملها.
وخلال مناقشة تلك الملاحظات مع الحاضرين أكّد بعضهم وجود ثغرات في الإجراءات القانونية المتعلقة بهذه القضايا كما أكّد الحاضرون وجوب إحداث تغيير في ذهنية المواطنين لناحية الدفع باتجاه اعتبار العمل المنزلي هو عمل كغيره من الأشغال وأن العاملة ليست ملكية خاصة، من هنا شدّدوا على ضرورة وضع آليات واضحة وعادلة لفسخ عقد العمل بين الطرفين. وقد أدّى غياب وزارة العمل عن الجلسة إلى فقدان طرف أساسي في النقاش وهو المعني الأكبر بتنظيم هذه الأمور والممسك بآليات الحلول.
توصيات الجلسة
في نهاية الطاولة المستديرة رُفعت توصيات يمكن أن تُعدّ، في حال تحققت، خطوة أولى في مسار تغيير بعض الممارسات القضائية في شكاوى "الفرار والسرقة" ما قد يساعد في تغيير الذهنية العامة لاحقاً. تلك التوصيات هي:
-
إصدار مدّعي عام التمييز تعميماً بعدم قبول أي شكوى فورية في قضايا السرقة بحق عاملات المنازل المهاجرات. أي الحدّ من قدرة أصحاب العمل تقديم شكاوى السرقة في المخافر وحصر تقديمها في النيابة العامة فقط.
-
إصدار مدعي عام التمييز تعميماً يمنع بموجبه استخدام تعابير غير قانونية مثل "الفرار" و"الهروب" التي تشير ضمنياً إلى الاستعباد والتملّك واستبدالها بتعابير تحترم علاقة العمل التعاقدية بين الطرفين مثل "ترك المنزل" أو "مغادرة المنزل".
-
إعادة تنظيم شروط استقدام العاملات وضبط عمل مكاتب الاستقدام نظراً لأهمية دور هذا الطرف في كافة مراحل العمل.
-
تفعيل التواصل مع مكتب حقوق الانسان في قوى الأمن الداخلي.
من جهتها، تؤكّد "كفى" أنها ستتابع هذه القضية وفق خارطة طريق ستعمل على أساسها في الفترة القادمة، مع استكمال الضغط من أجل تحقيق نتائج ملموسة في هذا الملف.