كفى بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 2015 وإطلاق فيلم "بالقانون": الأحوال الشخصية 16 تحت الزفت
احتفالنا هذه السنة بيوم المرأة العالمي، الثامن من آذار، له نكهة مميزة.
فمنذ زمن، كان أحد أهدافنا الرئيسية أن ننقل العنف المُمارَس على النساء من دائرة الشأن الخاص إلى دائرة الشأن العام ليصبح تحت طائلة القانون، وها نحن نجتمع اليوم للاحتفال بتحقيق هذا الهدف: فالإنجاز الذي تمّ تحقيقه العام الماضي، والمتمثّل بإقرار " قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، يبقى إنجازاً تاريخياً في مسيرة إحقاق حقوق المرأة في لبنان بالرغم من الملاحظات العديدة التي لدينا عليه. وقد تمكنّا من انتزاعه بالرغم من كل الظروف القاتمة التي يمر بها لبنان والمنطقة. فقد كان إقرار قانون خاص لحماية النساء من العنف الأسري بمثابة حلم عاش معنا على مدى سبع سنوات، وها نحن اليوم نعيش فرحة تحقيقه.
فرحةٌ تتكرّر كلما ارتفع صوت سيّدة أو فتاة طالبةً المساعدة لتقف بوجه العنف الذي تتعرّض له، أو كلما اتّصل أحد الجيران أو الأقارب طالباً التدخّل لوقف العنف الذي يشهد عليه؛
فرحةٌ تتكرّر كلما شهدنا عناصر قوى الأمن الداخلي يقدمون على تلبية النداء، سواء بالحضور إلى مكان وقوع العنف، أو باستقبال السيدة بشكل لائق وتقديم المساعدة اللازمة لها وتوفير أجواء الأمان المطلوبة لتشجيعها على الاستفادة من القانون الجديد. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن حوالي سبع مائة عنصر قد خضعوا لتدريب خاص حول العنف ضد المرأة وكيفية استقبال النساء ضحايا العنف الأسري وتطبيق القانون 293 ولا تزال التدريبات مستمرّة؛
فرحةٌ تتكرّر كلما أصدر محامي عام أسري إشارات لاتخاذ التدابير اللازمة والمنصوص عنها في القانون 293 لحماية هذه السيدة أو تلك؛ وفرحةٌ تتكرّر كلما صدر عن قاضي أو قاضية للأمور المستعجلة قرارات حماية تلبّي حاجات النساء وفقاً لظروفهن الخاصة، وقد صدر منذ إقرار القانون ولغاية اليوم حوالي 35 قرار حماية في مختلف المناطق اللبنانية. الأكيد أن إنجاز إقرار القانون 293 لم يكن ليتحقّق لولا جرأة بعض السيدات على مقاومة العنف وإقدامهنّ على تقديم شهاداتهن أمام الرأي العام، لفضح ما يجري وراء أسوار المنازل وتشجيع غيرهن من النساء على المقاومة.
هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لو لم تدفع بعض النساء حياتهنّ ثمناً لممارساتِ المجتمع الذكوري الذي طالما تآمر لإخفاء مثل هذه الجرائم. فتَحيَّة لأرواح رولا ومنال وكريستال ورقية وغيرهن الكثيرات المعلومات منهن والمجهولات، وتحيّة لأهل الضحايا الذين قرّروا عدم السكوت عن هذه الجرائم لا بل فضحَها كي ينال المجرم عقابه وكي يكون عبرةً للآخرين.
هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لو لم تتشكّل حالة التضامن الاجتماعي مع هذه القضية الإنسانية، فاحتضنتها عشرات المنظمات من المجتمع المدني، وعشرات الفنانات والفنانين، وآلاف الموطنات والمواطنين، والتي كانت أبرز تجلّياتها المسيرة التي نظّمناها العام الفائت بمناسبة الثامن من آذار، والتي شارك فيها حوالي خمسة آلاف مواطنة ومواطن للمطالبة بقانون يحمي النساء من العنف. ولا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام في تبنّيها لقضية مكافحة العنف ضد المرأة وتسليط الضوء على حوادث العنف الأسري ومواكبتها لمسيرة إقرار القانون.
وهذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا الدعم المادي والمعنوي الذي تلقيناه من الجهات المانحة، وكذلك من مواطنات ومواطنين شاركونا مسيرتنا فتمكنّا من تحقيق إنجازات لم نكن لنتوقّعها، وكان آخرها هذا الفيلم الذي نعرضه اليوم لمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
وإذا كان الوقت لا يتّسع لنشكر كل من قدّم لنا المساعدة في مسيرتنا الطويلة، فسوف نكتفي اليوم بشكر كل من ساهم معنا بتحقيق فيلم "بالقانون" بدءاً من الممثلات والممثلين الذين لم يترددوا بالمشاركة في هذا الفيلم ولو مقابل بدلات رمزية، مروراً بجميع العاملين والتقنيين وصولاً إلى المنتجة كريستين يواكيم والمخرج دافيد أوريان. أما الناشط الصديق لمنظمة كفى الكاتب طارق سويد، فله منّا تحيّة تقدير خاصة نظراً للجهد الذي بذله لإنجاح مشروع الفيلم. ولا بد أن نوجّه شكراً خاصاً للممثلة ماغي أبو غصن لتقديمها القاعة لنا اليوم في مجمّع “Le Mall”.
دربنا لا تزال طويلة، فالظروف السائدة في لبنان وفي المنطقة تصعّب علينا مهمتنا، مهمة الحفاظ على ما أنجزناه لغاية الآن، ومهمة تحقيق إنجازات جديدة، ولعلّ أهمها بالنسبة إلينا، ترسيخ مدنية الدولة اللبنانية. فبالرغم من نجاحنا في تأمين الحماية للنساء المعرّضات للعنف من خلال القانون 293، فإن النساء في لبنان سيبقين مكبّلات وقاصرات عن التمتع بحقوقهن الإنسانية كافة ما دامت الأحوال الشخصية في لبنان تسجّل رقم 16 تحت الزفت. حملة الأحوال الشخصية "16 تحت الزفت" التي أطلقتها كفى في العام 2011، سنعيد إطلاقها في إطار مطالبتنا بإقرار قانون مدني مساوٍ بين المرأة والرجل إلزامي للأحوال الشخصية. آن الأوان لتتحمّل الدولة مسؤولية رعاية مواطنيها ومواطناتها بدلاً من الطوائف. نحن بأمسّ الحاجة إلى قانون ينقلنا من مجاهل القوانين الطائفية للأحوال الشخصية، والتي تتشارك جميعها في قهر المرأة وتكريس دونيتها وتبعيتها، إلى قانون معاصر يتعاطى مع المرأة كإنسان كامل الأهلية متساوٍ في الحقوق والواجبات.