إلى كلّ لبناني غاضب من دفاعنا عن حقوق عاملات المنازل المهاجرات
بعد أن رفعت العاملة المنزلية "شوّا" صوتها ضمن فيديو لإلقاء الضوء على نسبة الانتحار والوفيات العالية في صفوف عاملات المنازل المهاجرات في لبنان، انهالت على صفحة "كفى" تعليقات كثيرة، بعضٌ منها ينضح بعنصرية وفوقية واضحتَين، وبعضٌ آخر يعكس سوء فهم لبديهيات مبادىء حقوق الإنسان.
يهمّ "كفى" في هذا الإطار إيضاح بعض النقاط التي أثارتها التعليقات على هذا الفيديو، نجمعها في أربع أفكار رئيسة:
أولاً، إنّ الفيديو واضح الهدف، وهو المطالبة بتحقيقات جديّة في حالات "انتحار" عاملات المنازل التي تتكرّر منذ سنوات (فقد سُجّلت حالة وفاة أسبوعياً بحسب تقرير في العام 2008، وسُجّلت 9 حالات بين آب وأيلول في العام 2010، وعشرات الحالات سنوياً بحسب تقارير إعلامية). تنطلق "شوّا" في الفيديو من وصف وضع نظيراتها في لبنان ومعاناتهنّ من حرمان أجور وحرية تنقّل وتواصل...، لتسأل سؤالاً بسيطاً: "لماذا ينتحرن؟ هل جميعهنّ مجانين؟ أنا هنا لأطالب بالعدالة لهنّ". ونحن هنا لا نتحدّث عن ترف أو امتيازات. نحن أمام حالات انتحار، وعنف، وحقوق إنسانية وعمّالية تُنتهك بشكل ممهنج ومتكرّر لأسباب كثيرة، منها غياب الاعتراف بالعمل المنزلي كعمل حقيقي -ربمّا لكونه دوراً من "الطبيعي" أن تقوم به المرأة مجّاناً- وأيضاً بسبب نظام الكفالة وما يخلقه من مشاكل في علاقة العمل بين عاملة المنزل وصاحب/ة العمل.
والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا ونحن نقرأ الكثير من التعليقات النافية لوجود هذه الانتهاكات أو المبرِّرة لها: كيف يدعمنا عدد كبير من متابعينا/اتنا حين نضيء على حالات العنف الأسري الذي يطال الكثير من اللبنانيات، ويخالفوننا جذرياً حين نضيء على حالات العنف ضد العاملات؟ ألا يتناقض هذا التفكير مع إحدى أهم ركائز حقوق الإنسان وهي شمولها جميع البشر من دون تمييز على أساس الجنس، أو العرق، أو الدين، أو الجنسية؟ ألا يتناقض هذا التفكير مع حقوق النساء نفسها، لجهة شمولها جميع النساء من دون تفريق؟
ثانياً، لاحظنا أن أصحاب العمل غالباً ما يتذمّرون ممّا يصفونه بانحياز "الجمعيات" الدائم للعاملات، وكأننا قمنا باختيار عشوائي بين فريقَين متنافسَين، ولم نشكّل موقفنا بناءً على ما نراه بأعيننا ونلمسه في أرض الواقع من هشاشة وظلم وحرمان العاملات من أبسط الحقوق الإنسانية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أننا حين نطالب بتعزيز حقوق الفئة الأضعف، فهذا لا يعني أننا نطالب بحذف حقوق الطرف الآخر، إنّما الامتيازات وممارسات الاستغلال التي غدت بنظره حقوقاً بفعل تطبيعها. أمّا إذا كان أصحاب العمل يتعرّضون أحياناً للظلم -ونحن نعي ذلك تماماً- بسبب مسؤولية قانونية مُفترضة ملقاة على كاهلهم، أو أموال طائلة يدفعونها لاستقدام عاملة، فمشكلتهم، قبل أن تكون مع العاملة، هي مع قانون العمل والنظم الإدارية القائمة والوسطاء ومكاتب الاستقدام. فلماذا لا يوجّهون غضبهم نحوها؟ لماذا لا يوجّهون غضبهم نحو السلطة، معنا؟ أم أنّ صبّ الغضب على نساء عاملات مهاجرات أسهل؟
ثالثاً، لفتنا استخدام بعض المعلّقين/ات لجرائم اتُّهمت باقترافها عاملات منازل، مثل جريمة مقتل الطفلة سيلين أو جرائم السرقة، كحجّة للتوقّف عن المطالبة بحقوق العاملات، على افتراض أنّ شريحة بأكملها تتحمّل مسؤولية أخطاء بعض الأفراد (والكثير منها لم يتمّ إثباته قضائياً). لن نستفيض في التعليق على هذه النقطة. يكفي أن نتخيّل تطبيقها على كلّ الفئات، فتصبح المعادلة على هذا النحو: إذا خطئ لبناني فلا حقوق للبناني، وإذا خطئ نجّار فلا حقوق للنجّارين، وهلمّ جرّا. إلى ذلك، استوقفنا استعمال بعض أصحاب العمل لعِلْم العاملات بطبيعة عملهنّ وقبولهنّ به قبل وصولهنّ إلى لبنان، كوسيلة لإزالة الشرعية عن المطالبة بتغيير الوضع الراهن. "هيي عارفة وقبلانة، لشو إجت؟" والمغالطة هنا واضحة. فقبول العاملات لم ينتج عن معرفة دقيقة بظروف العمل كافّة، وفق ما بيّتنه دراسة "كفى" بعنوان أحلام للبيع. وفي كلّ الحالات، إنّ القبول بالاستغلال لا يلغي وجوده، وبالتالي، لا يلغي مكافحته.
رابعاً وأخيراً، نتوجّه إلى كلّ الذين عاتبونا على دفاعنا عن حقوق عاملات المنازل اللواتي، بنظرهم، لا ينبغي أن يحتللن الأولوية في عملنا، بسؤال: إذا لم تكن قضيّتهنّ مهمّة، وعملهنّ مهمّ، وحيواتهنّ مهمّة، لماذا يعجز الكثير منكم عن العيش من دونهنّ؟ سؤال، على بساطته، من شأنه أن يفسح المجال أمام المزيد من العمل النقدي الموجّه إلى السلطة... وإلى كلّ واحد منّا.