رداً على دار الفتوى: العنف هو الذي يضرّ المرأة وليس مشروع القانون
إن التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري يرى أن الاعتراضات التي أعلنت مؤخرا على مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري غير مبررة لأن هذا المشروع انطلق من البيئة التي نعيش فيها ومن حاجة النساء الملحة للحماية من العنف الذي يمارس ضدهن داخل الأسرة من رجال ونساء في الأسرة. إن مشروع القانون لا يتعرّض أبداً للمفاهيم الدينية السامية، فكل الأديان مجمعة على رفض العنف، غير أنه لا يمكن للتشريع الديني أن يرعى المسألة العقابية، فالنقطة هنا هي كيف يحارب العنف داخل الأسرة عندما يمارس؟ إن ما يميّع تربية الأولاد و يفكك نسيج الأسرة هو رؤية العنف يستشري داخل الأسرة كخبز يومي أو كمصير مقدّر، لا قدرة على رده كأنه القدر الذي يضرب بلا هوادة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
" ما أكرم المرأة إلا كريم وما أهانها إلا لئيم" من يتصدى لهذا اللئيم إذا اعتدى على النساء؟ هل المطالبة بردع كل لئيم جريمة يستحق مطالبيها بأن ينعتوا بأبشع الصفات ويتهموا بالتنكر للمفاهيم الدينية والقيم الأخلاقية والأعراف والتقاليد الشرقية والإسلامية؟
إن مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري يحمي المرأة من كل لئيم يسعى لإيذائها سواء كان رجلاً أو امرأة. هل في ذلك تنكر للمبادئ والأخلاق الإسلامية؟
في ما يلي توضيح لجملة المغالطات الواردة حول مشروع القانون:
1- العنف الذي تتعرض له المرأة المسلمة أسوة بغيرها من النساء هو الذي يلحق الضرر بها سواء كانت في موقع الزوجة أو الأم أو البنت أو الشقيقة وليس مشروع القانون الذي جاء ليرفع عنها هذا الضرر. إن المحاكم الشرعية تأخذ بمحاضر الشكاوى المقدمة من نساء بجرم الإيذاء في دعاوى الطلاق أو التفريق كدليل إثبات على سوء المعاملة. وهذا حق مكتسب للمرأة في ظل القانون الحالي فهي لا يمكنها أن تنال قراراً شرعياً أو دينياً بمعاقبة العنف الأسري الممارس بحقها كون التشريع بهذا الخصوص يخضع للقانون الوطني وليس الديني.
2- مع تحفّظنا على ربط التربية بالعنف فإن مشروع القانون لا يكف يد الأب عن تربية أولاده خاصة أن هذا المشروع لا يشمل القاصرات اللواتي يشملهن قانون الأحداث 422، فمشروع القانون يشمل الإناث الراشدات. وقد ذكر ذلك في المادة الأولى منه.
3- لا مجال للقول بتداخل صلاحيات أو بقضم صلاحيات فمشروع القانون كان صريحاً في مادته الأولى التي نصت على مراعاة قواعد اختصاص المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية. كما أن المواد 15 و18 من مشروع القانون هما خير دليل على مراعاة اختصاص المحاكم الشرعية.
4- أين هي الفوضى القضائية؟ فالتشريع هو تشريع خاص لمعالجة حيثية خاصة محددة ومضبوطة زماناً ومكاناً، ولا تمييز بين الأنثى والذكر في العقوبات، فالنص جاء عاماً بحق من يعنِّف الإناث في الأسرة سواء كان ذكرا أم أنثى ومضاعفة العقوبات وتشديدها هي ضمن السياسة التشريعية الحمائية.
5- إنّ جرم إكراه الزوجة على الجماع بالعنف (المادة3 فقرة4) ليس بدعة فحتى الشرع الإسلامي لا يبيح للزوج استعمال العنف للحصول على حقوقه الشرعية، فالزوجة إذا امتنعت تعسفاً عن منح زوجها الحقوق الشرعية تُعتبر بحسب الشرع الحنيف ناشزاً وتسقط حقوقها الشرعية لكنه لا يبرر للزوج إلحاق الأذى بها باستخدامه العنف لتحصيل حقه الشرعي. فالجرم المعاقب عليه في مشروع القانون هو الإيذاء المرافق للعلاقة الجسدية وليس العلاقة الجسدية بحد ذاتها.
6- إن تشديد العقوبة لا يتنافى مع روحية التشريع الجزائي، فقانون العقوبات ينص على تشديد العقوبة في حال ارتكبت بعض الأفعال الجرمية من أحد أقرباء الضحية أوممّن له سلطة عليها، (المادة511 عقوبات) ذلك أنه في حال كان المعتدي قريب من الضحية فيسهل عليه تكرار الفعل الجرمي.
7- لقد أخذ الحقوقيون والقانونيون على مشروع القانون أنه نصّ على لزوم ما لا يلزم فيما يتعلق بالإخبار بوجود المادة28 من قانون أصول محاكمات جزائية، وبالتالي إن ورود الإخبار في مشروع القانون ليس بنص جديد بل هو للتأكيد أن النص العام الموجود يشمل أيضاً العنف الأسري كما أن نص المادة 28 لم يحدد نوعية الاعتداء الذي يوجب الإخبار عنه بل جاء النص عاماً.
8- لقد سبق أن أشرنا بنصوص واضحة من مشروع القانون ولا سيما المادة 18 منه والمادة الأولى واللتين حفظتا الاختصاص للمحاكم الشرعية والروحية في كل ما يتعلق بالنفقة والحضانة والولاية.
9- المراكز الصحية والاجتماعية ملزمة حالياً بمخابرة النيابة العامة الاستئنافية عند كل جرم إيذاء أطلعت عليه (في حالة الإيذء غير القصدي مثل حوادث السير على كل مستشفى مخابرة النيابة العامة للتحقيق) وبالتالي، فإن موجب الإعلام، ليس استخباراتياً إنما هو ضمن السياسة التشريعية الآيلة الى محاربة العنف وهو معتمد كموجب أدبي ومعنوي قبل أن يكون موجباً مباشراً.
10- إن تدبير الحماية لا يمنع السير في مفاوضات الصلح، فشروط التفاوض تقتضي أن لا يكون أحد الأطراف في موقع أضعف وإلا أتت المفاوضات على حسابه كما أن القانون لا يحوّل المؤسسات القضائية الى مراكز إخبار بل الى مراجع تكمّل بعضها وتتكاتف لدرء العنف ومنع تفاقمه .
11- إن الاستماع إلى القاصر لا يشكّل مخالفة لقواعد الإثبات، إذ يمكن حالياً الاستماع إلى القاصر على سبيل المعلومات، طالما أن جميع الشروط متوفرة كحضور أخصائية اجتماعية مثلاً وهذا ما جاء به مشروع القانون.
12- عند وقوع العنف بشكل مؤذي لا يمكن معه الاستمرار في العيش تحت سقف واحد، لا بد من اتخاذ تدبير يبعد المعنّف عن الضحية ويسمح لها باتخاذ قراراتها بحرية ودون ضغوط سواء باستئناف حياتها مع المعنف أو بانفصالها عنه وبالتالي إن مجال إعادة اللحمة قائم في كل مراحل التحقيق، لكن لا بد أن يشعر المعنِّف بأن فعله لن يمر بدون مساءلة.
13- إن خيار اللجوء الى المحاكم الشرعية والاحتكام الى أساليبها في التعامل مع الاختلافات العائلية لا يتناقض مع مشروع القانون، غير أن النساء اللواتي لا ينتمين الى طائفة تستطيع التصدي للخلافات العائلية من حقها أن تجد لدى الدولة ملاذ لحمايتها. إضافة الى أن العنف الأسري لا يقتصر على العنف الزوجي بل هو العنف الذي يمارس من كافة أفراد الأسرة (رجال ونساء) على النساء في الأسرة خارج العلاقات الزوجية وهذا لا يدخل ضمن اختصاص المحاكم الشرعية.
14- إن المساواة لا تكون إلا بين متساوين وبالتالي إن مشروع القانون يساوي بين جميع النساء المعنفات بجعلهن خاضعات للقانون نفسه كونهن يتعرضن للجرم نفسه ويقع عليهن الضرر نفسه. أما الأطفال فهم لديهم قانون حماية خاص، وإذا ما شملهم هذا القانون عندها نكون أمام تداخل في الصلاحيات بين قانون الأحداث وقانون الحماية.
15- إن القضاء على العنف يحتاج إلى استراتيجية وطنية كاملة وليس لمشروع قانون. أما أن يكون الخوف من ردة فعل المعتدي دافعاً لعدم سن قوانين تحتوي على عقوبات رادعة، فعندها يجب أن نلغي قانون العقوبات بأكمله تحسّباً لردة فعل مرتكبي الأفعال الجرمية. وبالتالي على الضحية أن تتقبل تعرّضها للإيذاء وتتحمل كل الأضرار دون أن تشتكي أو تطلب الحماية خوفاً من ردة فعل المعنف ولا يسمح للدولة بالتدخل بينها وبين المعنف إلا اذا أصبحت قتيلة عندها يتدخل القانون ويحكم عليه بالإعدام وعندها لن تهتز صورة الأب أمام أطفاله والنسيج الأسري يكون بمأمن من التفكك!!!!!
16- إن الأثر النفسي على الأطفال المسلمين وغير المسلمين شهود العنف على أمهاتهم لا يوازي نفسياً أي أثر آخر والدراسات النفسية مشبعة لهذه الناحية. فإذا لجأت المرأة للقانون للدفاع عن نفسها من العنف لا تكون بذلك تتحدى السلطة الأبوية المحفوظة له شرعاً وقانوناً لأنه أصلاً، بممارسته للعنف الذي ينبذه الشرع والقانون، يكون قد أساء استخدام سلطته التي تحولت إلى تسلط. أما القول بأن تهديده بالسجن سيؤدي الى كسر هيبة عماد الأسرة وإضعاف مكانته المعنوية، فنحن نسأل ماذا يحصل اليوم بالأب الذي يتقاعس عن تأدية واجب النفقة لأسرته ألا يسجن إذا ما تخلّف عن دفع النفقة المتوجبة بذمته؟ إن إضعاف مكانته يأتي من سوء معاملته لأسرته والأفضل أن يتعلم أباء المستقبل أنّ من يسيئ استخدام السلطة الأبوية ويحوّلها إلى تسلّط وينكل بزوجته وعائلته سيجد له رادعاً في القانون.
في الختام
إن التحالف الوطني لحماية النساء من العنف الأسري إذ يحترم كافة الأديان السماوية كما ويحترم الدستور اللبناني، يتمنّى على كلّ المراجع الدينية وكذلك على المحاكم الشرعية والروحية النظر إلى مشروع القانون بموضوعية ليروا فيه قانوناً مكملاً لقوانين الأحوال الشخصية وليس متعارضاً معها. كما أن العنف الأسري وضرورة الحماية منه ليست بعناوين برّاقة، بل هي ظاهرة لا ينكرها أحد ويجب على الدولة تحمّل مسؤوليتها تجاه مواطنيها في أبسط حقوقهم، أي توفير الحماية من العنف في الحياة الخاصة كما في الحياة العامة. فلا شيئ يبرّر سقوط ضحايا من النساء داخل أسرهن دون أن تتدخل الدولة وتضع حدّاً لهذا العنف قبل أن يصل الى مرحلة القتل.