السودان: الإغتصاب كسلاح حرب
تخصّص الأمم المتحدة يوم 19 حزيران من كلّ عام يوماً دولياً للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، لزيادة الوعي بالحاجة إلى وضع حد لهذا النوع من العنف.
وكان قد انتشر في الثالث من حزيران خبر انقضاض قوات الدعم السريع في السودان المعروفين بـ"الجنجويد" على المعتصمين الذين افترشوا الأرض أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، وذلك لفضّ الاعتصام، وانتشرت مع الخبر هذا تقارير وشهادات لأناس شهدوا على اغتصاب عناصر قوات الدعم السريع للنساء والرجال في المكان على حدّ سواء.
في مقابلة مع "بي بي سي" أكد شاهد عيان أنه رأى ستّة جنود من الجنجويد يغتصبون فتاتين. وعند محاولته مساعدتهما، ألقى الجنود القبض عليه وحاولوا اغتصابه بقضيب معدني إلّا أن إطلاق نار كثيف جعلهم يتركونه ويرحلون الى مكان آخر.
وقال شاهد آخر وهو سائق سيارة إسعاف، إنه شاهد مجموعة من الجنود يتجادلون بشأن من منهم سيغتصب امرأة مُصابة وهم يتحسّسون جسدها في الوقت الذي كان رجال الإسعاف ينقلونها نحو سيارة.
وقال المُسعف إنه وبعد مغادرة الجنود، سارع وزملاؤه لمساعدة الشابة، ليكتشفوا أنها توفيت. مضيفاً: "اكتشفنا أن الفتاة متوفاة منذ البداية. ورغم ذلك، لم يتركوها وشأنها".
وأضاف الشاب المسعف لمراسل "بي بي سي" فيرغل كين في تقريره المصوّر: "لقد قلت لك، لن أستطيع أن أصف لك واحداً في المئة ممّا شاهدته، الموت في جميع أشكاله، البشاعة في كلّ أنواعها. التفاصيل.." قبل أن يتوقف عن الكلام ويستبدله بالبكاء الشديد.
سلاح لقتل الثورة
قالت مديرة مركز الصدمات النفسية في جامعة الأفحاد للبنات في الخرطوم، سليمة إسحق شريف في مقابلة مع "بي بي سي" إنّ الشهادات عن حالات الإغتصاب ليست مفاجئة.
وأشارت إلى أنها وزملاءها في المركز يعالجون 12 إمرأة تعرضنَ للإغتصاب يوم الثالث من حزيران. وتشير شريف إلى أنها تعتقد أن عدد الضحايا قد يكون أكبر من ذلك، إلا أن الكثير من النساء لا يبلغن عن اغتصابهنّ بسبب الشعور بالعار المجتمعي المرتبط بالاغتصاب وخوفهنّ منه.
قالت شريف أنّ عمليات الإغتصاب التي حصلت هي عنف جنسي منفصل تماماً عن الرغبة الجنسية. "كل ما في الأمر هو الرغبة في التحقير والإذلال وسحق الأرواح. هذا جزء ممّا كانوا يفعلونه في دارفور، كانوا يستخدمون الإغتصاب كوسيلة، كسلاح حرب. والآن يستخدمونه كسلاح لقتل الثورة".
وبحسب المعارضة السودانية، قتل الجنجويد 100 شخص في هجومه على المتظاهرين يوم الثالث من حزيران وألقى الجنود 40 جثة منهم في النيل.
وتمّ تأكيد تعرّض 70 شخصاً للإغتصاب على يد الجنجويد بحسب بيانات لجنة أطباء السودان المركزية، بعد نقلهم إلى مستشفيات الخرطوم. وأكد طبيب فضّل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية أنّ فريق المستشفى الذي يعمل به وثّق إغتصاب جنود الجنجويد لطبيبات أيضاً.
المجلس العسكري الانتقالي أقرّ بأنه هو من أمر بفض الاعتصام إلا انه لا يزال ينفي حدوث أي اعتداءات جنسية.
وبدأ المحتجون في السودان اعتصاماتهم في السادس من نيسان الماضي للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير قبل أن يعيدوا التظاهر للضغط على المجلس العسكري الذي قام بعزل البشير لتسليم السلطة لحكومة مدنية.
العنف الجنسي في النزاعات
استُعمل العنف الجنسي كأداة حرب أثناء النزاعات المسلحة في كل العصور وفي جميع القارات. وما زال مستخدماً حتى يومنا هذا لإسقاط الثورات وخنق الأصوات المعارضة. وبحسب دراسة نشرت في المجلة الدولية للصليب الأحمر تحت عنوان " العنف الجنسي في النزاعات المسلحة: انتهاك للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان"، فإنّ العنف الجنسي استخدم على نطاق واسع في عدد من النزاعات المسلحة المعاصرة، في جمهورية أفريقيا الوسطى وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وجنوب السودان وسوريا.
وقد يكون الإغتصاب الطريقة الأسرع لتدمير معنويات الآخر وإهانته، وذلك ليس فقط في الحاضر، بل في المستقبل أيضاً، خاصة إذا ما نتج حمل عن هذا الإغتصاب.
بالرغم من هذه الأهوال التي مورست بحق المعتصمات والمعتصمين السودانيين وما تلاها من قطع للإنترنت، ما تزال الإعتصامات المطالبة بحكومة مدنية مستمّرة.