قصّة مانيني: "لو كان عملي بهذا السوء، لماذا لم يكتفوا بإعادتي الى المكتب؟"

تصوير سلوى الحمصي

قصّة مانيني: "لو كان عملي بهذا السوء، لماذا لم يكتفوا بإعادتي الى المكتب؟"

أنا مانيني،

أذكر أنّني عندما أتيت إلى لبنان وكنت أُسأل عن عمري، كنت أجيب بأنني لا أعرف. كنت خائفة بأن يقوموا بترحيلي إذا علم أحدهم بأنني صغيرة في السّن.

عمري خمسة عشرَ عامًا، وأنا الفتاة الأكبر سناً بين شقيقاتي. لقد كانت عائلتي بأكملها تعوّل على سفري إلى لبنان لتحسين وضعنا الماديّ. في أثيوبيا، كنت أبيع الملح في السوق وبدأت هذا العمل بعد أن تركت المدرسة بسبب عدم قدرتنا على دفع التّكاليف، لكن حتى مع ذلك العمل لم تتحسّن أمورنا كثيرًا. عام 2018 جئت إلى لبنان بعد أن أخبرني والدي وشقيقي الأكبر أنه بإمكاني أن أجني المال الكثير من عملي في تنظيف البيوت هنا. وقد أسعدتني فكرة جني المال، فنحن عائلة كبيرة مؤلفة من ثلاثة شبّان وخمسة فتيات، وكنّا دائما نعاني من عدم امتلاكنا للمال.

الخطة كانت تقضي بأن آتي إلى لبنان لأربع سنوات. المال الذي أتلقّاه عن السنتين الأولتين، أًقوم بإرساله لعائلتي. وبعد ذلك أحتفظ بأجر السنتين الباقيتين لنفسي. قال لي أخي أنه بحال كانت معاملة أصحاب العمل سيئة، فهو لا يريد المال وعليّ بالعودة إلى أثيوبيا، أما إذا كانت معاملتهم جيدة، فعندها أبقى حتى تنتهي فترة توظيفي.

لما وصلت إلى لبنان، استقبلني صاحب العمل في المطار وأخذ مني جواز سفري على الفور. في المنزل أكلت، وحصلت على بعض الراحة ثم طلبت منّي صاحبة العمل تنظيف غرفة الجلوس. بعد أن أنهيت العمل المطلوب، أرشدوني إلى غرفتي. كانت غرفة جميلة وكنت سعيدة بأن لي غرفة خاصة.

كان عملي بمعظمه يستوجب الاعتناء بالإمرأة العجوز المقيمة في هذا المنزل. لكن بعد أن ماتت، اصطحبني الكفيل إلى مكتب الاستقدام كونه لم يعد لهم حاجة لخدماتي. ومكتب الاستقدام بدوره وجد لي عملاً في منزل جديد.

في هذا المنزل، لم يكن لي غرفة خاصة وبدلاً عن ذلك كنت أنام في غرفة الحطب؛ غرفةٌ بابها مكسور ولا شبابيك فيها. كذلك لم يكن هناك مرحاض لأستخدمه؛ قالوا لي أن أذهب خلف الشجيّرات إذا أردت استخدام الحمام. وإذا أردت الاستحمام عليّ باستخدام دلو الماء والاستحمام خلف الشّجيرات أيضاً.

لم أحصل يوما على طعام كافٍ في هذا المنزل، ولم يكن مسموحًا أن آكل وجبة العشاء. أمّا بالنسبة للعمل، فكان عليّ أن أقوم بتنظيف المنزل، وأساعد الكفيلة في المطبخ، وأعتني بالابنة الخمسينيّة التي تعاني من إعاقة جسديّة. كان يتوجّب على أن أساعدها على الاغتسال، ودخول الحمام، وارتداء ملابسها، وغير ذلك من تلبية احتياجاتها.

كانوا يضربونني طيلة فترة عملي في كل مرّة اعتقدوا أنني بطيئة بالعمل أو لم أنظّف بشكل جيد. في إحدى المرّات قام الكفيل بضربي بقضيب حديديّ يستعملونه لتحريك الحطب في الموقدة. وفي مرة سابقة ضربوني لأنني اشتكيت لابنتهم، التي أتت تزورهم، أنني غير سعيدة. قاموا بضربي بعدما غادرت.

قاموا مرّة بشدّي من شعري وحلقه عنوةً، وهددوا بإذائي إذا لم أرضخ. قالوا أنّ شعري غير نظيف، لكن هذا غير صحيح.

مرّ وقت طويل على وجودي في هذا المنزل، لكنني كنت أعتقد أنني عملت لثلاثة أشهر فقط. أعلموني في مركز الأمن العام أنني عملت لفترة أطول. فأنا كنت أحتسب الوقت بحسب دفعهم لأجوري، كنت أعتقد أنهم يدفعون لي مع نهاية كل شهر، وعليه أعرف أن شهرًا قد مضى. وهم دفعوا الأجور ثلاث مرّات فقط.

أنا حقًا أتساءل، إذا كان عملي بهذا السوء كما كانوا يقولون لي، لماذا لم يكتفوا بإعادتي إلى مكتب الاستقدام؟
 

*الترجمة من الإنكليزية: غنى العندراي