السوريات في البقاع: خوف من الجوع والمرض والمستقبل وصمت عن العنف
"ينظرون إلينا على أننا نحن الفايروس".
هذا ما قالته سيّدة سورية في إحدى جلسات الدعم الإجتماعي التي تنظّمها كفى كل أسبوع منذ ثلاثة أسابيع عبر الواتساب وتضمّ 142 سيّدة سورية من 65 مخيّما في البقاع الشمالي.
الوضع العام
منذ بداية إنتشار الكورونا، اتّخذت البلديات في البقاع الشمالي تدابير منها ما هو تعسفّي بحقّ اللاجئين السوريين.
بعض البلديات فرضت حظر تجوّل تام عليهم، بحيث يُمنع على الساكنين في المخيمات الخروج حتى لسحب المساعدات المالية عبر البطاقة.
أخبرت مشاركات عديدات بأن أكثر من عائلة تعرّضت للمواقف ذاتها عندما اضطر أحد أفرادها للذهاب الى طبيب أو صيدليّ، فكان يتمّ منعه من الخروج من المخيم بحجّة حظر التجوّل المفروض.
السماح بالخروج عندما يحصل، هو مشروط. "طلعنا لنشتري خضرة وأغراض من برات المنطقة يللي نحن فيها، بس رجعنا كان فيه حاجز للبلدية، فتّشوا السيارة وكبّولنا كل الأغراض لأن اشتريناها من برا الضيعة والاسعار كتير غالية علينا اذا بدنا نشتري من الضيعة"، أخبرت إحدى السيّدات، وأضافت أخرى: "مبارح طلع زوجي اشترى كيسين سكر، كبولوا ياهن على حاجز البلدية، والله ما منعرف شو بدنا نقول".
كما أن أغلب البلديات امتنعت عن تعقيم المخيمات السورية بحجة أن هذا دور الأمم المتّحدة، و"الأمم بعدها ما عقّمت".
أغلب العائلات في المخيمات تعاني من أوضاع معيشية صعبة للغاية بسبب الإنقطاع عن العمل، وعدم قدرتها على سحب المساعدات المالية كما ذُكر سابقاً وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل خيالي.
"رح منموت من الجوع اذا ما متنا من الكورونا"، قالت إحدى المشاركات.
نشاط المنظمات العاملة في البقاع خفّ كثيراً من بعد إعلان التعبئة العامة منذ حوالي شهر. إذ ذكرت السيّدات في الإجتماعات مع كفى بأن منظمة دولية واحدة وزّعت لكل فرد صابونة، وهذا ما كان، ولم يتمّ توزيع الأقنعة الواقية لهم من أية جهة، ولا المواد الأساسية كالحليب وغيرها.
"مشكلتنا كلنا وحدة: الخوف من الجوع والخوف من المرض والخوف من المستقبل"، قالت سيّدة.
إنعكاس الوضع العام على العلاقات الأسرية
كانت السيّدات اللواتي شاركن في جلسات الدعم يعملن في الزراعة والقطاف. منذ الكورونا، توقّف كل هذا. عملهنّ هذا مع شقائه ومع ما يعرّضهن لاستغلال أحيانا، كان متنفسّاً لهنّ. منذ شهر، لا عمل، لا مال وخوف يومي.
أجمعت النساء أن "فشّة الخلق" تكون على الأطفال، المحرومين بدورهم من الخروج واللعب وتفريغ طاقتهم. "نحن مضغوطين من امور الحياه وبنفشّ خلقنا بالولاد".
وذكرت بعضهنّ بأن نساء كثيرات يتعرّضن أيضاً للضرب من قبل الرجال في العائلة، هذا عدا عن "التنمر من البيئة المحيطة بسبب اختلاف الجنسية. فلأننا نعيش داخل المخيمات أصبحنا نحن الوباء".
إمكانية التبليغ عن العنف
في مرحلة ما قبل الكورونا، كان عدد النساء السوريات اللواتي يتواصلن مع مركز كفى في البقاع أو يتّصلن بخط الدعم، يشكّل 45% من عدد النساء اللواتي يلجأن الى المركز.
إلاّ أن الكلام عن العنف الذي تتعرّض له النساء خلال هذه المرحلة أصبح كلاماً عاماً وقليلاً خلال جلسات الدعم الإجتماعي عبر الواتساب، كما أن نسبة السوريات اللواتي يتّصلن بمركز الدعم في كفى أصبح أقلّ من 45%. فقط ست نساء سوريات من أصل 22 اتّصلن بكفى منذ بداية شهر نيسان ولغاية الآن. أغلبهنّ أخبرن عن تعرّضهنّ لعنف جنسي من خارج الأسرة والباقيات لعنف من قبل الزوج. وهذه الإتصالات تمّت عبر إحدى المنظّمات أو من سيّدات يعشن خارج المخيمات ووضعهنّ مختلف نسبياً.*
وهذا يدلّ على حالة الخوف والوحدة والعزلة التي تعيشها النساء داخل المخيمات، فهنّ غير قادرات على الخروج لسحب المال أو لشراء الغذاء أو للذهاب الى الصيدلية، فكيف الحال إذا أردن التبليغ عن عنف.
"أنا برتاح كتير لما كون عتواصل معكن، صح إنو ما فيكن تجوا، بس على القليلة عم تتواصلوا معنا، يعني الغريب بيتعلق بأي شي".
التوصيات
إلّا أن هذا التواصل وحده لا يكفي.
أخذ إجراءات حاسمة للصالح العام أمر ضروري، لكن هذا لا يعني ترك بعض البلديات إتخاذ تدابير إستنسابية وتعسّفية، والسماح لردّات فعل عنصرية وظالمة أن تمرّ من غير محاسبة.
كما أنه من الضروري تكثيف جهود المنظمات الدولية والمحلية العاملة في البقاع لتقديم الدعم المطلوب وتأمين الحاجيات الأساسية لتوزيعها على العائلات السورية، وهي بحسب ما أحصتها كفى: الغذاء، المعقّمات، الأدوية، الأقنعة، الحليب والحفاضات، تأمين الوصول الى الخدمات الصحية، إمداد المخيمات بمياه نظيمة، العمل على إصلاح الصرف الصحّي منعاً لانتقال الأمراض، وتأمين الدعم المالي النقدي.
وعلى هذا الصعيد تعمل كفى على التشبيك مع المنظمات العاملة في البقاع، علّ ذلك يساهم في تخفيف وطأة الكورونا والعنف.
كما وتشجّع كفى النساء السوريات للتبليغ عن العنف على الخط الساخن لقوى الأمن 1745 أو اللجوء الى قضاء الأمور المستعجلة لتقديم طلب الحماية، والتواصل مع كفى على خط الدعم 03018019، فالدولة ملزمة ومن واجباتها حماية جميع المقيمين على أراضيها. ومن خلال تجربتنا في فترة الحجر الصحّي في متابعة الشكاوى مع نساء معنّفات، لاحظنا أن النيابات العامة المختصّة بمتابعة شكاوى العنف الأسري تتساهل بموضوع الإقامة إذا كان هناك هذا النوع من العنف ولا تتخّذ إجراءات متعلّقة بكسر الإقامة.
ونحن سنتابع طريقة تعاطي قوى الأمن الداخلي مع شكاوى النساء السوريات عند ورودها وسنتابع تأمين الدعم الإجتماعي النفسي لهنّ خلال هذه الفترة، فحماية النساء يجب أن تكون أولوية.
*من المعروف أن العنف والاستغلال الجنسي للنساء خاصة أولئك اللواتي يعشن في أوضاع هشة يتزايد بشكل ملحوظ في أوضاع الأزمات وهذا سيكون لنا عودة إليه في تقارير لاحقة.