الخروج من الجحيم الآن.. العاملات الكينيّات يصرخن باسم الجميع
لم يعد البقاء في البلد المنكوب خياراً بالنسبة للعاملات الأجنبيات في لبنان. جاء انفجار المرفأ في 4 آب الماضي ليزيد من الضغوط المادّية والنفسية على تلك الفئة العاملة المسلوبة الحقوق بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية – المعيشية منذ حوالي 9 أشهر. الرواتب معلّقة إلى أجل غير مسمّى أو فقدت قيمتها الشرائية، لا فرص عمل متوفّرة لعاملات يحتجن إلى راتب بالدولار، لا قوانين عمل تحميهن في حالات الطوارئ وتحرّرهن من قيود نظام الكفالة اللبناني... وقبل أيام جاءت الضربة القاضية مع الانفجار الذي خلّف دماراً في المنازل التي يقطنونها وتسبّب بإصابات جسدية وهلع وشعور متزايد بعدم الأمان.
وسط كلّ تلك الضغوطات ومع ضيق سبل الحلول المتوفرة في البلد حالياً، بات الحلّ الوحيد المتاح أمامهن هو الخروج فوراً من لبنان والعودة إلى الديار، وهذا بالضبط ما صرخت لأجله مجموعة من العاملات الكينيّات اللواتي اعتصمن أمام قنصلية كينيا في بيروت ليومين متتالين.
We want to go home
"نريد العودة إلى الديار" ردّدت حوالي 30 امرأة تجمّعن تحت مقرّ القنصلية الكينية في منطقة بدارو (بيروت) مطالبات بتسهيل أمورهن لمغادرة البلاد. المشكلة، حسب المعتصمات هي أن القنصلية تطالبهن بدفع تكاليف سفرهن بالدولار أو بدفع مبلغ 5 ملايين ليرة لبنانية. "لا نملك هذا المبلغ" قالت بعض العاملات لمسؤول في القنصلية كما تروي بعضهنّ، فردّ عليهنّ "اذهبن وجدن عملاً لتأمينه"، "فرص العمل لم تعد متوفرة" أجبنه، فقال لهن "إذاً اشتغلن بالدعارة لتأمين المبلغ المطلوب"! حسب رواية بعض مَن شاركن في الاعتصام.
تروي المعتصمات بغضب وسخط تفاصيل عملية ”التفاوض“ مع القنصلية ويشكين من إهمال مطالبهن ومن أساليب ردود المسؤولين المعنيين عليهن والتي تخللها، حسب ما قلن، عنفاً جسدياً ولفظياً تجاه بعضهنّ. تعلو أصوات المعتصمات أمام القنصلية بين الحين والآخر تطالب المسؤولين هناك بـ ”الرحيل“ مردّدات ”حرامية حرامية“ تحت شرفة القنصلية.
لستُ قنصل كينيا!
المعتصمات عبّرن أيضاً عن غضبهن لأنهن تُركن وحيدات في مواجهة هول الانفجار الذي هزّ بيروت وضواحيها قبل أيام وتحمّلن تداعياته من دون أي مساعدة من المسؤولين في القنصلية. ”رفيقتي في السكن أصيب رأسها فأخذتها إلى المستشفى وتابعت إجراءات إدخالها وبقيت إلى جانبها 3 أيام من دون أي مساعدة من المعنيين، لستُ قنصل كينيا، أنا عاملة ولا أملك ما يكفي من المال لإسعاف زميلتي الجريحة لكننا بقينا لوحدنا ولم نتلق حتى اتصالاً تفقّدياً من القنصلية“، تروي إحدى المعتصمات وتكرر إن المسؤولين في القنصلية ”يكذبون“ عندما يدّعون أنهم يتابعون أحوال المصابين من الكينيين في الانفجار.
مساعي ”كفى“
استمعت ”كفى“ لمطالب المعتصمات وواكبت تحرّكهنّ أمام القنصلية الكينية ثم تواصلت مع ”منظمة الهجرة الدولية“ International Organization for Migration (IOM) التي تعنى بشؤون المهاجرين وأمّنت لها أسماء وأرقام هواتف العاملات اللواتي يردن المغادرة. كما تواصلنا مع مديريتي قوى الأمن الداخلي والأمن العام اللبناني ووزارة العمل لتكثيف الجهود بهدف التوصّل إلى حلّ للأزمة في أقرب وقت ممكن.
خطوة أولى نحو النجاة؟
في محاولة لوضع خطوات عملية من أجل إنهاء الأزمة المستجدّة وفي الوقت الذي يستمرّ فيه اعتصام العاملات الكينيات أمام القنصلية، عُقد أمس اجتماع في المديرية العامة للأمن العام شاركت فيه "كفى" إلى جانب ممثّلين وممثلات عن الأمن العام اللبناني ووزارة العمل و"منظمة الهجرة الدولية" IOM وحضره قنصل كينيا الفخري في لبنان سايد الشالوحي. انتهى الاجتماع بتعهّد القنصل بتحمّل مسؤولياته تجاه الكينيّات الراغبات بالعودة إلى ديارهن وتأمين بطاقات السفر والتعاون مع الأمن العام اللبناني لتسهيل إجراءات المغادرة.
وفيما تزال أجواء التوتر وانعدام الثقة قائمة بين المعتصمات اللواتي يطلبن مقابلة القنصل شخصياً في مكان اعتصامهن أمام مبنى القنصلية والحصول على ضمانات ملموسة، وبهدف تسريع مسار الحلّ، اقترحت "كفى" على المعنيين في مديرية الأمن العام اللبناني التواصل مباشرة مع العاملات والتنسيق بينهن وبين القنصلية للبدء بإجراءات الترحيل اللازمة. بناءً عليه، توجّه اليوم عناصر من الأمن العام اللبناني إلى مكان الاعتصام ودوّنوا أسماء الراغبات بالمغادرة على أن تُستكمَل الخطوات الإجرائية تباعاً للتوصّل إلى الحلّ المنشود الذي يحتاج أيضاً إلى تدخّل أكثر فعالية من قبل المنظمات المعنية بشؤون المهاجرين والمهاجرات.
.