القضاء في خدمة "مكاتب الاستقدام": الربح أهمّ من حقوق العاملات!
في خطوة مُستغرَبة ومستنكَرة، أصدر مجلس شورى الدولة في ١٤ تشرين الأول قراراً اعدادياً يقضي بوقف تنفيذ عقد العمل الموحّد الذي أصدرته وزارة العمل اللبنانية في شهر أيلول الماضي، بعد مراجعة تقدّمت بها "نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل". قرار مجلس الشورى استند إلى مادة من نظامه تجيز له وقف التنفيذ "في حال تبيّن أن التنفيذ يلحق بالمستدعي ضرراً بليغاً وأن المراجعة تستند إلى أسباب جدّية مهمة". أمام هذا الواقع وبعد الاطلاع على نصّ القرار، نطرح في "كفى" اليوم تساؤلات كثيرة حول ظروف صدوره وحول أداء القضاء الذي غلّب مصلحة مجموعة من المستفيدين على الحقوق العمّالية وعلى مساعي الدولة لتطوير نفسها وقطاعاتها. رغم الثغرات الكثيرة التي يعاني منها عقد العمل الموحّد والتي فنّدتها "كفى" في قراءة تفصيلية انتقدت فيها صدوره من دون إرفاقه بآليات تنفيذية تضمن فعاليته، إلا أن العقد تضمّن بنوداً من شأنها كسر الممارسات الاستعبادية السابقة وهو يُعدّ خطوة أولى في إرساء علاقة عمل متوازنة بين عاملات المنازل وأصحاب العمل. لكن قرار مجلس الشورى الأخير ضرب عرض الحائط كلّ الجهود المبذولة لمحاولات الانتقال الى مرحلة جديدة تحترم مبادئ حقوق الانسان في ما خصّ العاملات، ما يستدعي طرح تساؤلات أساسية حوله، يمكن إيجازها بما يلي:
- أولاً، كيف صنّف القضاء "الضرر البليغ" الذي ألحق بأصحاب مكاتب الاستقدام والذي بناءً عليه صدر قرار وقف التنفيذ؟ هل آثر القضاء الضرر المادي على الانتهاكات الانسانية والمهنية الفادحة لحقوق العاملات في هذا المجال؟
- ثانياً، لماذا يتمتّع أصحاب مكاتب الاستقدام بهذه القدرة الهائلة للضغط على القضاء وتطويعه للدفاع عن مصالحهم بمواجهة الدولة؟ ما هو حجم قوّة تلك المجموعة من المستفيدين وتأثيرها على السلطة القضائية والسلطات الاخرى؟ علماً أن دور مكاتب الاستقدام ينحصر بخلق علاقة بين العامل وصاحب العمل فقط، وأن وجودهم في الأساس ليس إلا جزءاً من نظام حماية المصالح الخاصة على حساب تفعيل دور الدولة والوزارات المعنية وهيئاتها. وكانت نشرت "كفى" (عام ٢٠١٤) دراسة بالتعاون مع "المفكّرة القانونية" بيّنت حجم الأرباح التي يجنيها أصحاب مكاتب الاستقدام من هذا "البزنس" إذ أظهرت الدراسة أن قيمة الأرباح التي يحققها المكتب تصل أحياناً إلى ٢٥٠٠ دولار عن كلّ عملية استقدام. أضف إلى ذلك مجموعة الممارسات التي تقوم بها تلك المكاتب لاستغلال العاملات المهاجرات من عدم إخبارهن بحقيقة طبيعة الأشغال التي سيقمن بها، إلى التلاعب بقيمة أجورهن، إلى الضرب والتعذيب إلى ممارسة "الاتجار" ببعضهن إذ تقوم بعض تلك المكاتب بنقل العاملات من كفيل إلى آخر داخل لبنان وتتقاضى مبالغ طائلة عن كلّ عملية من هذا النوع...
- ثالثاً، هل هناك تقصير فادح من قبل الدولة بالدفاع عن نفسها وعن قراراتها بوجه المستفيدين من الفساد؟ إذ، نلاحظ في نصّ قرار مجلس الشورى غياب الحجج التي استندت اليها الدولة في دفاعها وغياب استعراض النقاط التي يمكن أن تدخص تلك المقدَّمة من قبل الطاعن. أين دفاع الدولة عن قرارها في النص؟
هكذا، تنتصر مرّة جديدة المصالح الخاصة للشركات الربحية على حساب حقوق المستضعفين وتقف حاجزاً منيعاً أمام مسار تطوير القطاعات ورعاية حقوق الانسان في البلد. فهل ستفتح هذه المرّة الدولة، ممَّثلة بوزارة العمل، معركة في وجه مجموعة المستفيدين تلك، لكسر سطوة مكاتب الاستقدام على قرارات ما تبقّى من الدولة المهترئة؟ من هنا، ينبغي على الوزارة أن تثبت جدّيتها في محاولة تغيير الواقع وإجراء التعديلات اللازمة التي من شأنها تصحيح المسارات المتعلقة بقانون العمل وعقوده بدءاً بعملية استقدام العاملات وتحديد دور مكاتب الاستقدام وضبط عملها. ختاماً يبقى السؤال المفتوح حول دور وزارة العمل في الدفاع عن حقوق العمّال وعن بنود عقد العمل الذي وضعته، فهلستتحمّل مسؤولياتها تجاه العمّال التزاماً بمهامها أم ستترك الأمور على عاتق المجتمع المدني؟