تبدلت أفكاري حول المساواة بين الجنسين
"هكذا وجدت الدنيا"، بهذه العبارة كان يكتفي أحمد قبيسي قبل أن يؤمن بالمساواة، معتقداً أن لكل من الرجل والمرأة دوراً مختلفاً في المجتمع. لكن مشاركته في برنامج رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين شكلت محطة مهمة في حياة ابن التاسعة عشر عاماً، "تغيرت مفاهيم الأنوثة والذكورة لدي، وغيرت كثيراً في شخصيّتي وفي علاقاتي مع الناس ،" يقول قبيسي. ويؤكد أنه بات يحمل قضية المساواة بين الجنسين ويسعى لتغيير الصور النمطية المبنية على النوع الاجتماعي، خصوصاً في مدينة صيدا جنوب لبنان حيث يقيم.
عبر نشاطه كمتطوع في جمعية "أبناء صيدا" والتي تهدف الى تعزيز قدرات، وامكانات، وحقوق اطفال وشباب صيدا القديمة، وتمكينهم من المدافعة عنها، يحاول طالب السنة الثالثة في علم النفس في الجامعة اللبنانية التوعية حول الأبوة الإيجابية والأدوار النمطية والعنف القائم على النوع الاجتماعي. مثلاً، وعبر مبادرة "طق براغي" يحكي قبيسي وزملائه في الجمعية عن الأبوة الإيجابية، ويضيء على التمييز بين الجنسين خلال التربية وكيف يتم تحديد أدوارهم/ن في المجتمع منذ الطفولة، وذلك عبر تأدية 7 مقاطع تمثيلية يشجع فيها الأهل على التخلي عن هذه الأفكار باستخدام حوار سلس ومبسط.
بدوره، لا ينكر الشاب أنه كان يعيش تحت ضغط المجتمع وأحكامه قبل أن يصبح أكثر تصالحاً مع نفسه. ويقول: "كنت أخجل من القيام ببعض الأمور، كالعناية بالبشرة ودراسة علم النفس الذي يعتبره البعض توجهاً نسائياً، فأحياناً أكون الشاب الوحيد في الصف بين 50 فتاةً. لكني تخلصت من الضغط الذي يفرضه عليّ الخوف من أحكام المجتمع. صرت أيضاً أحب الرقص أكثر. اليوم أنا أشعر بالراحة".
ولا يخفي قبيسي اعتقاده سابقاً بأن الأعمال المنزلية شأن يخص النساء، لكنه يؤكد تخليه عن هذا الاعتقاد. ويقول: "بت أهتم بالأعمال المنزلية، أطهو الطعام، أشارك في التنظيف، وأسعى لحث بقية الرجال في العائلة على القيام بالأمر عينه ". كما يعترف بأنه كان يطلق أحكاماً مجحفة بحق النساء فقط لأنهن يقمن بأشياء عادية، كالمشي ليلاً، أو السكن بمفردهن. "صرت أعرف أن للنساء حقوق مساوية لحقوق الرجل وغير قابلة للتفاوض، وأن للنساء في عائلتي وسواهن الحق بالدراسة والخروج من المنزل تماماّ مثل الرجال وأن لهن الحقّ بمجتمع آمن يحميهن".
في المجتمع بدأ قبيسي يسير "حاملاً قضية المساواة بين الجنسين"، وفق تعبيره. يحرص البعض على الالتزام بالأدوار المفروضة عليهم/هنَّ، فيحاول الشاب فتح نقاشات حول المساواة بين الجنسين مع أقرانه ومع كل من يصادفه في صيدا. ومن بين الأمثلة التي يعطيها، يحكي أحمد كيف يحاول فتح حوارات مع سائقي سيارات الأجرة وغيرهم من الناس لحثهم على التفكير في قضايا المساواة بين الجنسين وحقوق النساء. ويرى أن هذه الطريقة ستجعلهم يفكرون في الموضوع ويتقبلونه وإن رفضوه بداية.
يروي الشاب إنه صعد في إحدى المرات مع سائق سيارة أجرة، وخلال تبادل أطراف الحديث سأله عن رأيه بعمل المرأة، ويتابع، "عبر السائق عن رفضه القاطع لأن تعمل زوجته خارج المنزل وبرر ذلك بحاجته لمن يستقبله في المنزل عند عودته من العمل ويحضر له الطعام ويقوم بالمهام المنزلية. عندما التقيت به مجدداً عدت وطرحت الموضوع. بعد عدة لقاءات بات أكثر ليونة، وفي النهاية عبر لي عن تغير قناعته وقبوله بأن تعمل زوجته خارج المنزل مؤكداً أن بإمكانه تشارك المسؤوليات في المنزل".
انطلاقاً من تجربته وما غيّرته في نفسه وفي تصرفاته، يرى أحمد أهمية بالغة لاستكمال برنامج "رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين" ولإشراك المزيد من الشباب من جيله بورشات تدريبية كالتي شارك بها. وتدعيماً لرأيه يقول "إشراك أبناء جيلي ببرنامج كهذا يسمح بإدخال أفراد فاعلين يحملون أفكاراً نظيفة إلى المجتمع، إذ لا يقتصر أثره على تحطيم الأفكار المغلقة المتعلقة بمسألة المساواة بين الجنسين وحسب، إنما يحطم التعصب في كل المجالات".
أجريت هذه المقابلة ضمن برنامج رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين (2019-2021) والذي يهدف الى تحدي الأعراف الاجتماعية فيما يتعلق بالذهنيات والعقليات التمييزية في موضوع المساواة بين الجنسين، كما وحول الأبوة الإيجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي,والمموّل من الوكالة السويدية للتنمية الدولية(SIDA) وضمن هذا المشروع عملت منظمة كفى بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان على دعم منظمات المجتمع المحلّي في تصميم وتنفيذ وتطبيق حلول مجتمعية,مصمّمة لسياقات محلية, من أجل تحدّي المعايير الاجتماعية وتعزيز المساواة بين الجنسين.