اكتشفتُ البعد الذكوري للغة العربية وتجرأت على الاعتراض
كأي فتاة تولد في مجتمع ذكوري، عانت أريج شريم من التمييز الذي يدفع بها للتشكيك بنفسها في حال لم ترضخ لأحكام المجتمع ومعاييره. لكن مشاركة خريجة اللغة العربية وآدابها في برنامج "رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين" أزال شكوكها وترددها، وأشعرها بالدعم وكشف لها البعد الذكوري للغة العربية التي تهمش النساء عبر استخدام صيغة المذكر وتعابير تميز ضدهن. صارت ابنة الخامسة والعشرين عاماً، والتي تسكن في النبطية جنوب لبنان، تتجرأ على رفع صوتها وتحاول بدورها تشجيع غيرها من النساء على عدم الصمت.
بفعل البرنامج تغيرت علاقة شريم باللغة العربية وهي التي كانت تمارس مهنة تدريسها. تقول المتطوعة مع جمعية "فيمايل"، وهي جمعية نسوية تعمل على القضاء على السياسات التمييزية والظلم ضد النساء، إنها صارت تستخدم اللغة بدقة أكبر وتتحاشى استخدام تعابير ذكورية تسيء للنساء. كما باتت تعتمد صيغتيّ المذكر والمؤنث. وتضيف "لم أنتبه لذكورية اللغة العربية من قبل، حتى أني كنت استخدم صيغة المذكر للحديث عن نفسي، لم أنتبه أن بإمكاني استخدام المؤنث". وتحكي الشابة عن إمكانية الاستفادة من المواضيع النسوية وتقديمها لتلاميذها في حال عادت إلى مهنة التعليم. كما تطمح بأن يكون لها إسهامها الأدبي بالعمل على دراسة النصوص الأدبية من منظور نسوي.
أما اليوم، تكتب أريج بين الحين والآخر مواضيع نسوية وتنشر بعضها في موقع "شريكة ولكن" المتخصص بطرح قضايا النساء. تعتبر الشابة أنها تمكنت من إفادة غيرها من تجربتها، وكمثل على ذلك تقول إنها تلقت رسالة من إحدى الفتيات أخبرتها كيف ساعدها مقال كتبته أريج في التعامل مع موقف تعرضت له. وفي حلقة معارفها، شجعت أريج رفيقاتها على عدم السكوت عن التعرض لمواقف مزعجة، خصوصاً التحرش، وعلى رفع الصوت وعدم لوم أنفسهن.
كشابة نشأت في مجتمع ذكوري، كان لابنة النبطية أيضاً أحكامها الخاطئة بحق النساء وكانت مقتنعة بأدوار يفرضها المجتمع عليهن. لكن بعد أن اتسع فهمها لقضايا التمييز والنوع الاجتماعي، تخلت عنها. "لم أكن منتبهة للأفكار الذكورية التي اقتنعت بها، كنت أعتقد أن على الأمهات أن يبقين دائماً مع أطفالهن وأن يضحين بكل شيء لأجلهم/نَّ، لكني انتبهت أني كنت على خطأ. واليوم أدرك أني أستحق تقدير الغير بفضل علاقاتي الشخصية تماما مثلما أقدّر غيري وأني لست الطرف الذي عليه أن يضحي دوماَ"، تقول أريج.
قبل مشاركتها في البرنامج، نهاية العام 2019، تجنبت الشابة العديد من الأمور خوفاً من أحكام وضغط المجتمع. وكثيراً ما تعرضت للتمييز في المنزل والعمل والمجتمع. ففي المنزل كانت ممنوعة من الخروج ليلاً أو البقاء في الخارج لوقت متأخر، كما كانت ممنوعة من الخروج مع أصدقائها الشباب. وفي العمل كانت تعاني من التمييز بينها وبين زملائها الشباب لمجرد أنها امرأة. إلا أن برنامج "كفى" عزز ثقتها بنفسها، وفق تعبيرها، "استطعت نقل بعض ما تعلمته إلى الإطار الأسري من خلال تصرفاتي. لم أعد أتجنب الخروج مع أصدقائي الشباب والتأخر في العودة ليلاً. أدركت أنه ليس عليّ تنفيذ ما يريده الرجال. وصار بإمكاني التعامل مع مواقف كثيرة، كالتحرش، دون الشعور بالذنب. صرت على قناعة أن ملابسي وقصة شعري التي لا ترضي المجتمع حق لي ولا يحق لآخرين التعليق عليها" تقول الشابة.
بعد تجربتها مع البرنامج تتمنى الشابة أن تحظى بقية الفتيات "وخصوصاً المراهقات بفرصة للمشاركة في برامج من هذا النوع، فهي تؤثر على وعيهن وتغير نظرتهن لأنفسهن وللحياة والمجتمع فتحميهن خصوصاً في الظروف السيئة كالتي يشهدها لبنان والتي تؤدي لازدياد العنف ضد المرأة".
أجريت هذه المقابلة ضمن برنامج رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين (2019-2021) والذي يهدف الى تحدي الأعراف الاجتماعية فيما يتعلق بالذهنيات والعقليات التمييزية في موضوع المساواة بين الجنسين، كما وحول الأبوة الإيجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي,والمموّل من الوكالة السويدية للتنمية الدولية(SIDA) وضمن هذا المشروع عملت منظمة كفى بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان على دعم منظمات المجتمع المحلّي في تصميم وتنفيذ وتطبيق حلول مجتمعية,مصمّمة لسياقات محلية, من أجل تحدّي المعايير الاجتماعية وتعزيز المساواة بين الجنسين.