أحاول كسر المفاهيم التي تميز بين الجنسين والتي يرسخها المجتمع من خلال الرياضة

أحاول كسر المفاهيم التي تميز بين الجنسين والتي يرسخها المجتمع من خلال الرياضة

تنشط سارة محمود، ابنة التاسعة عشر عاماً، كمدربة للفنون القتالية وتحديداً التايكوندو في جمعية الجليل، والتي تقدم الدعم للشباب والشابات عبر أنشطة متنوعة وتهدف لتعزيز المساواة بين الجنسين. وتعمل الجمعية في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في صور جنوب لبنان حيث تقيم سارة أيضاً. وتعتبر الشابة الرياضة أداة يمكن عبرها كسر المفاهيم الذكورية وتحقيق المساواة بين الجنسين، إذ أنها من المجالات التي تشهد تمييزاً هائلاً قائماً على النوع الاجتماعي.

قبل مشاركتها، في حزيران الماضي، في برنامج رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين المنفذ من قبل منظمة "كفى"، اقتصر عمل سارة على تدريب الأطفال. "تعلمت من خلال البرنامج كيفية استخدام مهاراتي مع أشخاص من جيلي لإيصال فكرة ما، وقد كانت فرصتي الأولى لأدرب من هم في سني " تقول سارة.  قبل هذا المشروع ، كانت المدربة تسقط في فخ التمييز المتوارث عن المجتمع، حيث كانت تلتزم بالفصل بين الجنسين لكنها اليوم تجمع الفئتين معاً "كي لا يبقى الأطفال على أفكار أهلهم" . تقول "من خلال الرياضة أحاول كسر المفاهيم التي يرسخها المجتمع في الأطفال منذ صغرهم ". وتدرب سارة اليوم النساء على الدفاع عن أنفسهن لمواجهة أي محاولة للتحرش  بهن.

 

تحكي ابنة مخيم الرشيدية عن التمييز الذي يمارس داخل المخيم، حيث تعتبر الفنون القتالية رياضة مخصصة للصبية لا للفتيات. وتضيف "صار هدفي من خلال العمل مع جمعية "الجليل" تغيير نظرة المحيطين بي للرياضة. نجحت بتغيير نظرة ومفاهيم فئة من المجتمع، وأسعى لتغيير نظرة الفئة التي لم أستطع بعد التأثير فيها. لقد تمكنت من تغيير موقف أهالي الفتيات اللواتي تدربن معي والذين كانوا يرفضون مشاركة بناتهم في هذه الرياضة".

وتروي الشابة، "بداية رفض عدد من الأهالي مشاركة بناتهم في اللعبة لاعتقادهم بأنها مخصصة للصبية. مرة بعد مرة تمكنا من إقناعهم بالسماح لبناتهم بالمشاركة. صارت الفتاة تحضر معها صديقتها للتدرب معاً فازداد تقبل الأهالي للموضوع واقتنعوا أن هذه الرياضة تمنح بناتهم الشجاعة وتعزز الثقة بالنفس. أذكر أن إحدى الفتيات لم تتمكن بداية من المشاركة بسبب معارضة أهلها، من ثم أرسلوا معها شقيقتها الكبيرة كي تراقبها أثناء التدريب فرغبت بالمشاركة هي أيضاً، يومها شعرنا بالفخر لأننا تمكنا من إقناع الأخت الأكبر أيضاً".

 

إلى جانب عملها كمدربة تتابع الشابة دراسة علوم الطب الحيوي في الجامعة. داخل العائلة لم تكن تشعر بالتمييز، فقد كان والدها الداعم الأول لها في ممارستها رياضة التايكوندو، وفق ما تقول . لكنها واجهت تمييزاً داخل المجتمع، وكأي فتاة لم تسلم من أحكامه، "كان المجتمع يصفني بحسن صبي (عبارة تطلق على الفتاة التي يرى المجتمع الذكوري بأنها تتجاوز الدور المفروض عليها وتتشبه بالصبية)، تمكنت من اقناعهم أني اتطور وأنجح. بنت مخيّم وأصل، صرت أمشي في الشارع وأسمع كلامهم من دون أن أتأثّر، لقد منحني البرنامج دافعاً كي أواجه"، تقول الشابة. وتتابع "لقد عزز التدريب ثقتي بنفسي، تلقيت تشجيعاً من المدربين والمدربات، وعززت المواضيع التي طرحت أفكاري الرافضة للتمييز على أساس النوع الاجتماعي".

تروي سارة أنها كانت انطوائية قبل المشاركة في المشروع، "جعلني البرنامج أنفتح على التواصل مع الناس ومناقشتهم. علاقاتي الشخصية أيضاً تأثرت إيجاباً".

وكفتاة تعاني بدورها من نظرة المجتمع وأحكامه التزمت سارة خلال توجهها إلى النادي بارتداء ثياب طويلة غير تلك المخصصة للرياضة لتبدلها عندما تصل تفادياً للمضايقات. اليوم باتت تختار الثياب المناسبة والمريحة لممارسة الرياضة ولا تضطر لتبديلها.

ورغم الضغوط التي تعرضت لها الشابة كما الفتيات اللواتي دربتهن بداية، غير أنها تمكنت من تخطي العديد من العوائق. لقد منحها البرنامج قدرة أكبر على التحدي والمواجهة وعزز خبرتها رغم صغر سنها، "لقد جعلني أدرك أهمية المشاريع الجماعية التي تهدف لتحقيق المساواة. فهي لا تكتفي بمنح المشاركات المعرفة والتقنيات بل وتمنحهن أيضاً الدعم المعنوي".

 

أجريت هذه المقابلة ضمن برنامج رجال ونساء من أجل المساواة بين الجنسين (2019-2021) والذي يهدف الى تحدي الأعراف الاجتماعية فيما يتعلق بالذهنيات والعقليات التمييزية في موضوع المساواة بين الجنسين، كما وحول الأبوة الإيجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي,والمموّل من الوكالة السويدية للتنمية الدولية(SIDA) وضمن هذا المشروع عملت منظمة كفى بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان على دعم منظمات المجتمع المحلّي في تصميم وتنفيذ وتطبيق حلول مجتمعية,مصمّمة لسياقات محلية, من أجل تحدّي المعايير الاجتماعية وتعزيز المساواة بين الجنسين.