لجنة الإدارة والعدل تلغي المادة 522 عن الإغتصاب لكن تشرّع تزويج القاصرات
أنهت لجنة الإدارة والعدل دراسة مقترح إلغاء المادة 522 التي تعفي مرتكب الجرائم المنصوص عليها في المواد 503 إلى 521 في حال تزوّج من ضحيّته، وقد خلصت في جلستها الأخيرة إلى إلغاء تلك المادّة ولكن مع الإبقاء على مفاعليها في المادّة 505 المتعلّقة بمجامعة قاصر والمادّة 518 المتعلّقة بإغواء امرأة (راشدة أو قاصر) بوعد الزواج، وهو أمر يستحقّ أن نتوقّف عنده لما له من معانٍ وانعكاسات خطيرة على النساء والفتيات وعلى المنحى القانوني العام للدولة اللبنانيّة.
تتناول المادّة 505 مجامعة القاصر كجرم يعاقب عليه القانون، غير أنّ التعديل الأخير الذي توافق عليه أعضاء لجنة الإدارة والعدل تمثّل بوضع مرتكب هذا الجرم أمام خيارين: إمّا السجن أو الزواج بالضحية في حال كانت تبلغ بين الـ15 والـ18 عاماً من العمر، مع إضافة وجوب تدخّل مندوبة اجتماعية في الحالات التي سيتمّ فيها الزواج للتأكّد من أن القاصر على ما يرام. وهنا نسأل، إذا كانت مجامعة القاصر تُعتبر جرماً في القانون، بأيّ منطق يُعطى المرتكب خيار الزواج من الضحيّة مقابل الإفلات من العقاب، وما المغزى من وجوب متابعة مندوبة اجتماعية للعلاقة الزوجيّة إذا افترضنا أنّه لم يقع أي أذًى، بما أنّه عُقد "زواج صحيح" بين الطرفين؟
كما يتبادر إلى ذهننا سؤال لا بدّ من طرحه اليوم: من خلال تجريم "مجامعة قاصر"، هل يقصد المشرّعون أنّ هناك مشكلة في العلاقة الجنسيّة بين قاصرين، أم في مجامعة شخص راشد لشخص قاصر؟ فالمسألة غير واضحة بتاتاً لا في النصّ الأصلي للمادة 505 ولا في التعديل المقترح الذي يشير فقط إلى "مجامعة قاصر". وهل تكون مشكلة المشرّعين الفعليّة مع العلاقة الجنسيّة خارج إطار الزواج، إذ من الواضح بحسب تعديلهم الأخير وإبقائهم على مفاعيل المادّة 522 في المادّة 505 أنّ الزواج من القاصر بعد مجامعته يوقف الملاحقة القانونيّة بحقّ المرتكب، ممّا يعني أن مجامعة القاصر ضمن إطار الزواج لا تعود جرماً... كيف تكون جرماً وهي في الأصل مشرّعة في قوانين الأحوال الشخصيّة الطائفيّة التي تسمح بتزويج الأطفال؟ وهنا يبرز الخطر الأكبر من الإبقاء على مفاعيل المادّة 522 في المادّة 505، وهو توجّه الدولة اللبنانيّة نحو الاعتراف بقانونيّة تزويج القاصرات الذي تشرّعه قوانين الطوائف الـ18 وتكريس هذا الأمر في قانون مدنيّ.
تعيدنا هذه المسألة بضع سنوات إلى وراء، حين أسقط النوّاب عبارة "استيفاء الحقوق الزوجية" التي تحمل في طيّاتها مفهوماً دينيّاً ينظر إلى الجنس كحقّ للزوج على زوجته، في قانون مدنيّ، تحديداً قانون العنف الأسري الذي أُقرّ في العام 2014، وقد أسقطها النوّاب قصداً لا سهواً في فقرة كان من المفترض أن تجرّم فعل "الإكراه على الجماع"، أي الاغتصاب الزوجي. وفي الحديث عن الاغتصاب الزوجي، هل تنبّه أحد إلى صمود المادّة 503؟ لماذا لم يتوقّف أعضاء لجنة الإدارة والعدل عند المادّة 503 ولم يذكروا أيّ شيء بشأنها، مع العلم أنّهم خاضوا ورشة تعديل لعددٍ كبير من موادّ الباب السابع الذي تختتمه المادّة 522 الشهيرة؟ ألا تستدعي مادّة "من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة لمدّة خمس سنوات على الأقلّ"، القليل من انتباههم؟ صحيح أنّ مفاعيل المادّة 522 أُبطلت عن هذا الجرم، إنّما بالإبقاء على المادّة 503 كما هي وعدم إلغاء عبارة "غير زوجه" يُقرّ المشرّعون من جديد بأنّ اغتصاب الزوجة أمرٌ مسموح ويعود ويتشبّث بعضهم برأيه القائل بأن لا اغتصاب في العلاقة الزوجيّة.
لقد درس أعضاء اللجنة كلّ الموادّ بين الـ503 والـ521 وعدّلوا الكثير منها، لا بل شدّدوا العقوبة على "المتنكّر بزيّ امرأة فدخل مكاناً خاصاً بالنساء..."، ولكنّهم لم يمسّوا بالمادّة 503 التي تعفي الأزواج من تهمة اغتصاب زوجاتهم، ولم يكترثوا لتكريسهم تزويج القاصرات في قانون مدنيّ. وفي النظر فقط إلى هاتين النقطتين، يتّضح لنا أنّ قوانين الأحوال الشخصية التابعة للطوائف والقدسيّة المحيطة بها لا تزال هي المرجعيّة الأقوى إذ ممنوعٌ المسّ بها علماً أنها قوانين وضعيّة؛ كما يتّضح لنا مجدّداً أن بعض النوّاب يناقشون العنف ضد النساء والفتيات من منطلقات فكرّية عاجزة عن حسم الجرم على أنّه جرم من دون مراوغة وترك احتمال للزواج، وما يعنيه ذلك من تمسّكهم بشيم السترة والشرف ولملمة الأمور... لبتقى النساء تلملم عواقب أفكارهم وأفعالهم. وقول النائب روبير غانم عن أن أعضاء اللجنة أخذوا في الاعتبار "العادات اللبنانية"، بحيث "لا يزال لدينا عشائر وقبائل وعادات تختلف تماماً عن الآخرين" خير دليل على الخلفية الذكورية التي يناقشون بها قضايانا.