المدنية في الأحوال الشخصية تُعيد للبنان شخصيته
"لبنان بلا شخصية"، لأن الدولة غائبة عن القيام بواجباتها ولعب دورها في تشريع قانون مدني ينظّم أحوال مواطنيها ومواطناتها الشخصية. والدولة التي لا قانون لها، لا تتمتّع بالسيادة، وتكون الطوائف فيها هي صاحبة السلطة الفعلية. كما أن الدولة في لبنان تخالف ما ورد في مقدمة دستورها وإلتزاماتها الدولية، لأنها بدل إقرار قانون عام عادل يساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات ويجمعهم تحت سقف قانون واحد عصري، عزّزت الإنقسامات المجتمعية والطائفية عبر إخضاعهم لـ 15 قانوناً طائفياً مختلفاً، الجامع بينها هو رجعيتها وذكوريتها وتمييزها ضدّ المرأة.
منذ ثلاث سنوات، أطلقت كفى حملة "الأحوال الشخصية ناشزة". هدفت الحملة وقتها الى نزع القدسية عن قوانين الأحوال الشخصية في لبنان وكشف الشوائب التي تعتريها وانتهاكها لحقوق الإنسان. وتزويج القاصرات الذي يشكّل الشائبة الكبرى في هذه القوانين تصدّر الحملة وقتها.
نكرّر اليوم القول بأن قوانين المحاكم الطائفية هي شكل من أشكال العنف الذي تواجهه النساء في لبنان. والذي شهدنا عليه مؤخراً من انتزاع أطفال من أحضان أمّهاتهن تنفيذاً لدعاوى حضانة ما هو إلّا تأكيد على رجعية القوانين الطائفية المجحفة بحق النساء والتي لا تراعي مصلحة الأطفال.
كما أنه بدى واضحاً، نتيجة للوقائع الحياتية التي تعايشها كفى مع السيدات اللواتي يقصدن مركز الدعم، أن الخطوة الأساسية باتجاه إلغاء التمييز ضد المرأة تكمن في إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية يكرّس المساواة التامة في كافة الشؤون المتعلقة بالأسرة، إذ من دون تكريس المساواة على هذا الصعيد، ستبقى الإصلاحات الأخرى إصلاحات شكلية وفرعية لا تطال جوهر وأصل المشكلة التي تعاني منها النساء.
لا بدّ إذاً من إيجاد سلطة متوازنة داخل إطار الأسرة، لتنتقل النساء من موقع التابع الى موقع الشريك وتُستبدل السلطة الأبوية بالسلطة الوالدية في قوانين الأحوال الشخصية. فالمرأة التي لا تملك سلطة على نفسها وقراراتها وبحاجة إلى وليّ أمر عليها وتُعامل على أنها قاصرة وتُزوّج وهي قاصرة، كيف لها أن تكون فاعلة ومشاركة في الشأن العام؟
مطالبتنا هذه هي استكمال لمشوار كنّا قد بدأناه منذ ثلاث سنوات، مشوار سيتطلب نفساً طويلاً، لكنه ليس مستحيلاً، وما تجربتنا مع قانون حماية النساء من العنف الأسري إلا دليل على أن المستحيل يمكن أن يتحقّق.