الأبوّة الإيجابية: سميحة وأحمد... التشارك مساحة معنويّة
قد يكون وجود وظيفة لدى الزوجة هو ما يحفّز الزوج على القيام بالمهمّات المنزلية. إلا أنه ليس السبب الذي يدفع أحمد مصطفى إلى العمل في المنزل ومشاركة زوجته في كلّ المسؤوليات. في حالة أحمد وزوجته سميحة غمراوي المقيمان في جبل البداوي في طرابلس، لا ينحصر مفهوم التشارك بالواجبات المنزليّة، إنه أكثر من ذلك، مساحة معنوية تجمعهما منذ زواجهما قبل أربع سنوات، كما يحبّان أن يصفا علاقتهما. يشتمل هذا على التنسيق في كلّ قرارات البيت، والتخطيط لها معاً، خصوصاً بما يخصّ العائلة والأولاد وكلّ التفاصيل الأخرى التي تخضع لنقاش بينهما. "سجّلنا السيارة باسمها وباسمي، وهذا ما اعتبره أمراً طبيعياً وليس إنجازاً"، حسم أحمد ذلك في حديثه، مستبعداً أن يكون ذلك فضلاً منه، بل يراه حقّاّ بديهيّاً لزوجته.
درس أحمد الأدب الإنكليزي. بعد سنوات من التعليم، أصبح مديراً لإحدى المدارس في طرابلس. تعمل سميحة في المجال التربوي أيضاً، كأستاذة لمادة العلوم في إحدى مدارس المدينة. أنهت الزوجة دراستها العليا في الكيمياء الحيوية، وتنوي أن تواصل دراستها الأكاديميّة لإتمام شهادة الدكتوراه. طموح لا يتردّد أحمد للحظة واحدة في دعمها لتحقيقه، لكنها تنتظر الوقت المناسب لاتخاذ هذه الخطوة، ربّما حين تكبر طفلتهما الصغيرة. من ناحية ثانية، أتاح لهما المجال الوظيفي المشترك الفرصة لكي يطوّرا عملهما معاً، خطوة خطوة، حيث قاما بافتتاح مركزاً للدروس الخصوصيّة بعد الظهر، يتوليان إدارته والعمل فيه معاً.
خلال اللقاء، استعاد الزوجان أيام الحجر المنزلي في الفترة الأولى من انتشار وباء كورونا في لبنان. حينها، كان على سميحة أن تواصل تقديم الدروس لطلّابها أونلاين، فيما تطلّبت مهام أحمد الوظيفية كمدير جهداً أقلّ نظراً لإقفال المدارس. لمست سميحة خلال تلك الفترة دعماً كبيراً من زوجها، الذي كان يخفّف من الضغوط عليها: "بينما كانت دروس الأونلاين تطلّب جهداً ووقتاً كبيرين، طلب مني أحمد الّا أشغل بالي بأمور المطبخ على الإطلاق. هو من تولّى مهام الطبخ لشهر كامل. كان يقوم بإعداد وجبات الفطور والغداء، والعشاء. هو من كان يستفيق مع طفلينا لصغيرين باكراً ويعدّ لهما الفطور".
يعترف أحمد أن له مزاج خاص بالطبخ، إنها هوايته، حتى إن سميحة تستشيره في بعض الوصفات. "أجد متعة بالطبخ، لكن مهمّتي لا تقف هنا، فحين أنهي إعداد الطعام، أنظّف المطبخ ورائي، وأجلي الأطباق". ينسحب هذا على الكثير من الواجبات المنزلية الأخرى، مثل الغسل والنشر، وغسل السجاد وغيرها من الأعمال التي لا يتردّد أحمد في القيام بها، إلى درجة أن زوجته تمنعه عن المشاركة أحياناً، كما يستطرد مازحاً. غير أن سميحة توضح لنا، أنها تطلب إليه التوقّف عن العمل لعلمها بالضغوط التي يكابدها في وظيفته وليس لأي سبب آخر "مثلما يخفّف عني، أجد أنه من الطبيعي أن أريحه أحياناً إذا كان لديه ضغوط في العمل".
انتقلت هذه العلاقة إلى كلّ أفراد الأسرة من الإناث والذكور، أي أبناء أحمد الثلاثة (شابان وفتاة) من زواج سابق، وابنه وطفلته من سماح. يؤكّد أحمد "طالما أنهم يرونني أقوم بواجباتي، فسينعكس هذا عليهم بالطبع، سيتعلّمون من خلال الممارسة فيقومون بذلك وحدهم"، وهذا ما يحدث بالفعل إذ أن "كل منهم ينظّف وراءه بعد الأكل، ويرتّب سريره وأغراضه، الكلّ يشارك بالهمّات بالتساوي".
في مجتمع لا تبدو فيه هذه العلاقات التشاركية سائدة بشكل واسع، يحرص أحمد على إشهار تجربته في الشارع، وأمام زملائه في المدرسة، وأمام أفراد العائلة الآخرين. يتقصّد مثلاً، خلال الأحاديث، أن يمرّر بعض المعلومات عن مهمّاته المنزليّة. لا يكون الهدف من ذلك إلا التأكيد أمام الآخرين على أن ذلك واجبه، كما يوضح. إذ أنه يخوض هذه الأحاديث مع رجال يعتبرون المشاركة في الأعمال المنزليّة وصمة معيبة للرجل، "هناك أصدقاء يتذمّرون أمامي بأن زوجاتهن لا تقمن بالأعمال المنزلية، أو أنهم يعودون إلى المنزل ولا يجدون طبخاً، أستغرب هذا حقاً، خصوصاً أن زوجات البعض لديهنّ وظائف". يعرف أحمد أن القيام بهذه الأعمال المنزلية "لا يتوافق مع تصوّرهم الخاطئ عن معنى الرجولة. ربّما في ظنهم أن الرجل عليه أن يكون متسلّطاً، أو أن يلعب دور السي السيّد ضمن عائلته. مع أن الرجل الحقيقي، برأيي، هو من يقوم بإسعاد القريبين منه والتخفيف عنهم. لا يمكن أن أعتبر نفسي رجلاً إذا كانت زوجتي تشعر بالتعب على الدوام".
لا يغيب عن بال أحمد دور التربية وتقاليد المجتمع المتوارثة، في ترسيخ هذه الأفكار بين أفراد العائلة، منها حصر كلّ المهام المنزليّة بوظيفة النساء. لهذا يواصل أحاديثه حول هذه الموضوع باستمرار، مستشهداً أحياناً ببعض الأقوال الدينية التي قد تساهم في تقريب هذه الأفكار من الآخرين وجعلهم يتقبّلونها بسهولة من دون الشعور بأنها تنتقص منهم على الإطلاق. هنا يشير أحمد، إلى أنه قام بتزويد بعض رفاقه وزملائه في العمل بوصفات المأكولات، كطريقة لدعمهم على مشاركة زوجاتهم والتخفيف عنهن في البيت.
فضلاً عن وظيفته كمدير مدرسة، يشارك أحمد في العمل الاجتماعي من خلال انضمامه إلى رابطة المدربين العرب، ومن خلال عضويته كقائد في إحدى فرق الكشافة في المنطقة. يحدّثنا أكثر عن بعض الأنشطة التي استحدثوها، خصوصاً فيما يتعلّق بحقوق النساء والمساواة بين الجنسين. "أهم ميزة في الكشاف هي في تعزيزه روح المشاركة لدى الشابات والشباب على السواء. وبما أن العمل الكشفي يتيح لنا التواصل مع الشابات والمراهقات تحديداً، فإنه يفتح لنا باباً لتقديم الدعم النفسي لهن، ومساعدتهن على مواجهة المجتمع وأحكامه بثبات، والأهم من كلّ ذلك على تحقيق ذواتهن". وفي السنوات الأخيرة، باتت القيادة الكشفية تحرص على جعل التمثيل النسائي والرجالي متساويين في اتخاذ القرارات وفي اللقاءات الرسمية والاجتماعات.
لا يفصل أحمد بين الخارج، والأفكار، وبين ممارسته الحقيقيّة في بيت، ما ينعكس على كلّ أفراد الأسرة. تعترف سميحة أن حضور زوجها في البيت، يمنحها دعماً معنوياً ونفسيّاً، خصوصاً بما يتعلّق بمهنتها، والتطوّر فيها واستكمال دراستها لاحقاً. "مساندته لي في كلّ شؤون المنزل، يمنحني الوقت الكافي للاهتمام بنفسي وإتمام عملي خارج البيت، من دون أن أقلق على طفلينا، أو أن أخاف من التقصير في مسؤوليات البيت"، وتضيف "فترة الحجر المنزلي كانت خير دليل على ذلك، إذ طلب إليّ التفرّغ للتعليم أونلاين، هذا ما ساعدني على العمل بشكل أفضل مع الطلاب عن بعد، والتركيز على مهنتي من دون أن أشعر بأي ضغط".
بفضل هذه العلاقة القائمة على التشارك والدعم، تمّكن الزوجان من صقل طموحيهما في وظائفهما وأنشطتهما خارج المنزل. إذ أتاح هذا الجو لسميحة مثلاً، بمواصلة التفكير في تحقيق نفسها أكاديمياً ومهنياً، بينما تضطر الكثير من النساء إلى التخلّي عن هذا الطموح بسبب ضغوط البيت والتربية.
أجريت هذه المقابلة ضمن برنامج الرجال والنساء من أجل المساواة بين الجنسين (2019 –2021) الممول من الوكالة السويدية للتنمية الدولية (SIDA). وضمن هذا المشروع، عملت منظمة "كفى" بالتعاون مع الامم المتحدة للمرأة في لبنان على دعم منظمات المجتمع المحلي في تصميم وتنفيذ وتطبيق حلول مجتمعية، مصممة لسياقات محلية، من أجل تحدي المعايير الاجتماعية وتعزيز المساواة بين الجنسين.