نساء في مهب "الشلل القضائي".. الشكوى لغير الله مذلة
لم يكتفِ زوج لمى (اسم مستعار) بتعنيفها على مدى 3 سنوات، حتى طردها مؤخراً من المنزل وهي حامل بشهرها التاسع، لتجد نفسها أسيرة الشارع، بلا مأوى. هذا ليس بمقطع من رواية بل معاناة حقيقية عاشتها لمى، التي غادرت منزل أهلها قبل 3 سنوات وتزوجت "خطيفة" من أحمد، الذي رمى بها للشارع قبل أسابيع قليلة على موعد ولادة توأميها. تروي لمى بحرقة قصتها، ذهبت الى المخفر فلم يستمع أحد شكواها، حيث لا يمكن "فتح محضر" فوري والحصول على قرار حماية الا بإذن من النيابة العامة وبقرار قاضٍ، في وقت يعاني البلد من شلل على المستوى القضائي بعد اعتكاف القضاة.
لجأت لمى الى جمعية "كفى" المعنية بحقوق المرأة، علّها تجد من يستمع لها، ولكن الامر لم يكن بالسهل، وأصبحت المعاناة مضاعفة، مع اقتراب ولادتها حتى تمكنت الجمعية قبل يومين من تأمين سرير لها في أحد المستشفيات، وتبقى المأساة بعد الولادة، "من سيحضن الأطفال ويتولى رعايتهم ماديا؟" بغياب الوالد الذي لا يمكن توقيفه او ملاحقته دون تحرك قضائي. ومعانة لمى تتلخص على النحو التالي: "أولا، لا يمكن أن تحصل على نفقة من المحكمة الشرعية التي تتبع لها وزوجها، فلا يوجد قاضٍ لينفذ حكم النفقة. ثانيا، يُفترض ان يعاقب الزوج بحكم جزائي ولكن هذا يستحيل تنفيذه الا بتحويل الشكوى للنيابة العامة، وثالثاُ، لا يمكن للمخفر ان يبادر بالتصرف لأنه يحتاج الى اذن من النائب العام"، وعليه فكل السبل مقطوعة بسبب الاعتكاف القضائي.
لا قضاء
ليست لمى بأفضل حال من كثيرات غيرها، فإحداهن يجري تعنيفها بقوة من قبل زوجها في كل مرة لا تأتي بالمال بعد "التسول"، وتلك التي حُرمت من ابنها الرضيع البالغ من العمر 11 شهراً، وسمر التي كُسر انفها جراء الضرب المتكرر وحياتها مهددة بالموت يوميا، وغيرهن ممن لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني يحميهن بسبب اعتكاف القضاة عن العمل، وهذه الحالات جميعها مرصودة بجدول بالحالات الطارئة التي لجأت الى جميعة "كفى عنف" خلال فترة اعتكاف القضاة.
مؤلم حقاً ما تعيشه هؤلاء النسوة، فلا زوج رحيم ولا قضاء عطوف على حالهن، ولا احكام عقابية رادعة لمنع جرائم العنف الاسري، فكيف إذا كان القضاء معطلاً؟ بحسب الأرقام الأخيرة فإنّ أكثر من 20 سيدة لجأن بحالة طارئة إلى منظمة "كفى"، ولم تستطعن نتيجة اعتكاف القضاة من التقّدم بشكوى جزائية، ولا الحصول على قرار حماية، ومنهنّ من خسرن أطفالهن الرضّع. وعلى الرغم من انّ الحالات تصنف ضمن "الطوارئ" وخصوصاً جراء احتمالية ان تكون حياة السيدة معرضة الى خطر الموت، فإنّ حالتين فقط تم فتح محضر بشكواهما بناء على اشارة القاضي رائد أبو شقرا في النيابة العامة في جبل لبنان.
وتتوزع شكاوى السيدات ما بين: شكوى ضرب وإيذاء، طلب حماية، استلام او مشاهدة الأطفال، وبالتالي فإنّ تأثير اعتكاف القضاة على النساء يتمثل اولاً بعدم تمكن السيدة المعنّفة من محاسبة المعتدي والتمادي عوضا عن ذلك بالعنف أكثر تجاهها، وثانياً ما يتعلق بقضايا الحضانة والنفقة ومشاهدة الأطفال، وعدم التمكن من تنفيذ القرارات بسبب الاعتكاف، وثالثاُ عدم القدرة على حصول السيدات على قرار حماية بموجب قانون حماية النساء من العنف الاسري من قضاء العجلة.
المعتدي بأمان
والأسوأ انّ المعتدي هنا مهما كان شكل الضرر اللاحق على السيدة، يشعر بنوع ما من "الأمان" في ظل الشلل القضائي الذي يدخل شهره الثاني، وسط مستقبل مجهول لما ستؤول اليه المفاوضات والنقاشات على مستوى الاجتماعات بين القضاة والمعنيين لناحية فك الاعتكاف او الاستمرار به. هي إذا العدالة المجمّدة، حيث يجد المواطن نفسه عاجزاً عن متابعة شؤونه القضائية في أروقة قصور العدالة المظلمة، فكيف بحال نساء "مقهورات" على عدالة غائبة، فكيف يكون الحل؟
يشرح المحامي بالاستئناف والعضو بمركز الدعم بجمعية "كفى" عامر بدر الدين التأثير الكارثي كما يصفه لاعتكاف القضاة على السيدات المعنفات، حيث تجد النساء أنفسهن أحيانا "في الشارع"، ويقول: "نحاول القيام بضغط لعلّ بعض القضاة يتجاوبون معنا اقله لإصدار قرارات بالحماية، فلا مخفر يتجاوب ولا مأوى لهؤلاء السيدات ولا قاضِ يرد حتى على الاتصالات. لحسن الحظ تحرك قلة من القضاة لاتخاذ اجراء قانوني بعد شكاوى تقدمت بها سيدات، ولكن للأسف الغالبية من القضاة لا يتحركون لإصدار أي قرار قد يحمي سيدة من خطر الموت، او تنفيذ حكم "رؤية" لأم محرومة من رؤية طفلها. وهنا نقول للقضاة مهما تعرضتم الى أذى بسبب الوضع الاقتصادي، فأنا أؤكد انّه لا يُقارن بأذى أم محرومة من رؤية رضيعها".
ينتقد بدر الدين ما يعتبره "أزمة سياسية" على مستوى إيجاد حلول لمطالب القضاة، مشيراً الى انّه "ليس الوقت المناسب لتصفية الحسابات، فكيف يكون بلداً بلا عدالة". أمّا الحل "فبسيط بمجرد ان يتابع القضاة أعمالهم بما يتعلق بقضايا الأمور المستعجلة، قد يحتاج الامر من أحدهم الى اتصال ليس أكثر لفك أسر سيدة أصبحت رهينة للشارع او معرضة الى الموت قتلاً على يد زوجها".
مطالب القضاة
وبالعودة الى اعتكاف القضاة، يمكن القول انّها المرة الأولى التي يشهد فيها الجسم القضائي في لبنان، مثل هذه الانتفاضة حيث يعتكف العدد الأكبر من القضاة عن متابعة أعمالهم منذ منتصف آب، احتجاجاً على سوء الأوضاع المالية التي يمرون بها، مطالبين بتصحيح رواتبهم "المنهارة" جراء تدهور العملة، والحصول على "عدالة بأحوالهم" ليتمكنوا من الحكم بالعدل. ولأنّ "الضرورات تبيح المحظورات"، اعتكف القضاة، وقلة منهم من يقوم بتسيير بعض المسائل القانونية العاجلة، كما يؤكد أحد القضاة من اللجنة المتابعة لمطالب القضاة في حديث خاص، شارحاً الأسباب التي أدت بهم الى اتخاذ هذا القرار، "المطلب الأول هو تحسين الرواتب، فالقاضي لا يملك تقديمات كما غيره، ولا بنزين ولا سكن.. حتى التقديمات التربوية والصحية التي يحصل عليها أصبحت في الحضيض. وضع القاضي اليوم ببساطة "تحت الأرض"، وهناك قضاة اعتكفوا عن العمل اصلاً، لأنهم لا يملكون ثمن الوقود للوصول الى مكاتبهم وتسيير شؤون الناس.. فهل يعقل أن نصل الى هذه الحال، ونسكت؟".
يعرف القضاة أنّه لا إمكانية لتصحيح الرواتب لأنّ ذلك يتطلب إقرار قانون في المجلس النيابي، وفي ظل حكومة تصريف اعمال، لذا وبحسب القاضي "ارتأينا الوصول الى ما أسميناه آلية تموز، لقبض الرواتب على أساس سعر صرف 8000 ليرة، فصار القاضي الذي يأخذ مرتب 6 مليون على سبيل المثال، يحصل بالتالي على راتب يصل الى 20 مليون بموجب هذه الاتفاقية، ولكن للأسف تم اسقاط هذه الآلية جراء ضغوط عدة"، وبحسب القاضي، "إثر ذلك رفضنا الحل المعروض علينا بإمكانية صرف اعتماد 35 مليار ليرة كسلفة خزينة، لعدة أسباب أولها عدم الثقة بالحصول على السلفة وثانياً لأنها لا كفي اصلاً لأشهر عدة"، كما يؤكد القاضي.
ويتابع: "لا نقبل بأي طريقة لإسكاتنا او خداعنا اليوم، وعليه تداعى العدد الأكبر من القضاة للاعتكاف، ومستمرون الى حين تنفيذ المطالب". ويطالب القضاة بالحصول على "راتب حقيقي ضامن مرتبط بسعر الصرف الحقيقي، مع تعويض عن السنوات العجاف الثلاث ممكن تحديده بسهولة"، كما صدر في بيان أخير عن القضاة. ويتابع القاضي حديثه مشيراً الى انّه "لا قدرة اليوم على العمل اصلاً في ظل الظروف الحالية، لا كهرباء، لا تكييف، عقود النظافة منتهية، دورات المياه معطلة، لا يوجد محابر لمكنات الطباعة.. والحل باقتناع الجهات المعنية اليوم بانّ ما ارتكب بحق القضاة سيؤدي الى اقفال تام وكامل للعدلية، وليتحمل الجميع المسؤولية".
ورداً على اتهام القضاة بالتقصير في تسيير شؤون الناس ومتابعة احوالهم الطارئة وخصوصاً قضايا العنف بأشكاله كافة، يقول القاضي "نحن ايضاً نتعرض للعنف، ولا أتمكن من توفير أدنى مقومات العيش لأسرتي، ولا أستطيع انّ أجلب لهم قرطاسية ونحن على أبواب المدارس وبالدولار. نحن أصحاب قضية محقة وأصبحنا للأسف عاجزين عن مزاولة مهنتنا رغما عنا. أقول وانا مسؤول عن كلامي، هناك قضاة اليوم لم يعد لديهم أي مصدر للاستدانة، والدولة لم تفعل أي شيء لنا، ومن يطالب القضاة اليوم بالحس الإنساني، فليتفضلوا ويسمعوا معاناتنا ايضاً، وليذهبوا لمحاسبة من حرك وكر الدبابير لإسقاط آلية تموز. تفضلوا يا اهلي الموقوفين وأصحاب القضايا المستعجلة للحكومة والمعنيين بالمواجهة وليس امامنا".
من جهتها، تتابع وزارة العدل المستجدات القضائية من خلال اجتماعات متتالية مع الجسم القضائي، وتبحث الوزارة بإمكانية اصدار مرسوم السلفة التي تم تحويلها بقيمة 35 مليار ليرة من احتياط الموازنة ووضعها في عهدة صندوق تعاضد القضاة، في سعي لمعاودة القضاة لأعمالهم.
وتبقى النساء في مهب الشلل القضائي، ولسان حالهن: "الشكوى لغير الله مذلة".
لم يكتفِ زوج لمى (اسم مستعار) بتعنيفها على مدى 3 سنوات، حتى طردها مؤخراً من المنزل وهي حامل بشهرها التاسع، لتجد نفسها أسيرة الشارع، بلا مأوى. هذا ليس بمقطع من رواية بل معاناة حقيقية عاشتها لمى، التي غادرت منزل أهلها قبل 3 سنوات وتزوجت "خطيفة" من أحمد، الذي رمى بها للشارع قبل أسابيع قليلة على موعد ولادة توأميها. تروي لمى بحرقة قصتها، ذهبت الى المخفر فلم يستمع أحد شكواها، حيث لا يمكن "فتح محضر" فوري والحصول على قرار حماية الا بإذن من النيابة العامة وبقرار قاضٍ، في وقت يعاني البلد من شلل على المستوى القضائي بعد اعتكاف القضاة.
لجأت لمى الى جمعية "كفى" المعنية بحقوق المرأة، علّها تجد من يستمع لها، ولكن الامر لم يكن بالسهل، وأصبحت المعاناة مضاعفة، مع اقتراب ولادتها حتى تمكنت الجمعية قبل يومين من تأمين سرير لها في أحد المستشفيات، وتبقى المأساة بعد الولادة، "من سيحضن الأطفال ويتولى رعايتهم ماديا؟" بغياب الوالد الذي لا يمكن توقيفه او ملاحقته دون تحرك قضائي. ومعانة لمى تتلخص على النحو التالي: "أولا، لا يمكن أن تحصل على نفقة من المحكمة الشرعية التي تتبع لها وزوجها، فلا يوجد قاضٍ لينفذ حكم النفقة. ثانيا، يُفترض ان يعاقب الزوج بحكم جزائي ولكن هذا يستحيل تنفيذه الا بتحويل الشكوى للنيابة العامة، وثالثاُ، لا يمكن للمخفر ان يبادر بالتصرف لأنه يحتاج الى اذن من النائب العام"، وعليه فكل السبل مقطوعة بسبب الاعتكاف القضائي.
لا قضاء
ليست لمى بأفضل حال من كثيرات غيرها، فإحداهن يجري تعنيفها بقوة من قبل زوجها في كل مرة لا تأتي بالمال بعد "التسول"، وتلك التي حُرمت من ابنها الرضيع البالغ من العمر 11 شهراً، وسمر التي كُسر انفها جراء الضرب المتكرر وحياتها مهددة بالموت يوميا، وغيرهن ممن لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني يحميهن بسبب اعتكاف القضاة عن العمل، وهذه الحالات جميعها مرصودة بجدول بالحالات الطارئة التي لجأت الى جميعة "كفى عنف" خلال فترة اعتكاف القضاة.
مؤلم حقاً ما تعيشه هؤلاء النسوة، فلا زوج رحيم ولا قضاء عطوف على حالهن، ولا احكام عقابية رادعة لمنع جرائم العنف الاسري، فكيف إذا كان القضاء معطلاً؟ بحسب الأرقام الأخيرة فإنّ أكثر من 20 سيدة لجأن بحالة طارئة إلى منظمة "كفى"، ولم تستطعن نتيجة اعتكاف القضاة من التقّدم بشكوى جزائية، ولا الحصول على قرار حماية، ومنهنّ من خسرن أطفالهن الرضّع. وعلى الرغم من انّ الحالات تصنف ضمن "الطوارئ" وخصوصاً جراء احتمالية ان تكون حياة السيدة معرضة الى خطر الموت، فإنّ حالتين فقط تم فتح محضر بشكواهما بناء على اشارة القاضي رائد أبو شقرا في النيابة العامة في جبل لبنان.
وتتوزع شكاوى السيدات ما بين: شكوى ضرب وإيذاء، طلب حماية، استلام او مشاهدة الأطفال، وبالتالي فإنّ تأثير اعتكاف القضاة على النساء يتمثل اولاً بعدم تمكن السيدة المعنّفة من محاسبة المعتدي والتمادي عوضا عن ذلك بالعنف أكثر تجاهها، وثانياً ما يتعلق بقضايا الحضانة والنفقة ومشاهدة الأطفال، وعدم التمكن من تنفيذ القرارات بسبب الاعتكاف، وثالثاُ عدم القدرة على حصول السيدات على قرار حماية بموجب قانون حماية النساء من العنف الاسري من قضاء العجلة.
المعتدي بأمان
والأسوأ انّ المعتدي هنا مهما كان شكل الضرر اللاحق على السيدة، يشعر بنوع ما من "الأمان" في ظل الشلل القضائي الذي يدخل شهره الثاني، وسط مستقبل مجهول لما ستؤول اليه المفاوضات والنقاشات على مستوى الاجتماعات بين القضاة والمعنيين لناحية فك الاعتكاف او الاستمرار به. هي إذا العدالة المجمّدة، حيث يجد المواطن نفسه عاجزاً عن متابعة شؤونه القضائية في أروقة قصور العدالة المظلمة، فكيف بحال نساء "مقهورات" على عدالة غائبة، فكيف يكون الحل؟
يشرح المحامي بالاستئناف والعضو بمركز الدعم بجمعية "كفى" عامر بدر الدين التأثير الكارثي كما يصفه لاعتكاف القضاة على السيدات المعنفات، حيث تجد النساء أنفسهن أحيانا "في الشارع"، ويقول: "نحاول القيام بضغط لعلّ بعض القضاة يتجاوبون معنا اقله لإصدار قرارات بالحماية، فلا مخفر يتجاوب ولا مأوى لهؤلاء السيدات ولا قاضِ يرد حتى على الاتصالات. لحسن الحظ تحرك قلة من القضاة لاتخاذ اجراء قانوني بعد شكاوى تقدمت بها سيدات، ولكن للأسف الغالبية من القضاة لا يتحركون لإصدار أي قرار قد يحمي سيدة من خطر الموت، او تنفيذ حكم "رؤية" لأم محرومة من رؤية طفلها. وهنا نقول للقضاة مهما تعرضتم الى أذى بسبب الوضع الاقتصادي، فأنا أؤكد انّه لا يُقارن بأذى أم محرومة من رؤية رضيعها".
ينتقد بدر الدين ما يعتبره "أزمة سياسية" على مستوى إيجاد حلول لمطالب القضاة، مشيراً الى انّه "ليس الوقت المناسب لتصفية الحسابات، فكيف يكون بلداً بلا عدالة". أمّا الحل "فبسيط بمجرد ان يتابع القضاة أعمالهم بما يتعلق بقضايا الأمور المستعجلة، قد يحتاج الامر من أحدهم الى اتصال ليس أكثر لفك أسر سيدة أصبحت رهينة للشارع او معرضة الى الموت قتلاً على يد زوجها".
مطالب القضاة
وبالعودة الى اعتكاف القضاة، يمكن القول انّها المرة الأولى التي يشهد فيها الجسم القضائي في لبنان، مثل هذه الانتفاضة حيث يعتكف العدد الأكبر من القضاة عن متابعة أعمالهم منذ منتصف آب، احتجاجاً على سوء الأوضاع المالية التي يمرون بها، مطالبين بتصحيح رواتبهم "المنهارة" جراء تدهور العملة، والحصول على "عدالة بأحوالهم" ليتمكنوا من الحكم بالعدل. ولأنّ "الضرورات تبيح المحظورات"، اعتكف القضاة، وقلة منهم من يقوم بتسيير بعض المسائل القانونية العاجلة، كما يؤكد أحد القضاة من اللجنة المتابعة لمطالب القضاة في حديث خاص، شارحاً الأسباب التي أدت بهم الى اتخاذ هذا القرار، "المطلب الأول هو تحسين الرواتب، فالقاضي لا يملك تقديمات كما غيره، ولا بنزين ولا سكن.. حتى التقديمات التربوية والصحية التي يحصل عليها أصبحت في الحضيض. وضع القاضي اليوم ببساطة "تحت الأرض"، وهناك قضاة اعتكفوا عن العمل اصلاً، لأنهم لا يملكون ثمن الوقود للوصول الى مكاتبهم وتسيير شؤون الناس.. فهل يعقل أن نصل الى هذه الحال، ونسكت؟".
يعرف القضاة أنّه لا إمكانية لتصحيح الرواتب لأنّ ذلك يتطلب إقرار قانون في المجلس النيابي، وفي ظل حكومة تصريف اعمال، لذا وبحسب القاضي "ارتأينا الوصول الى ما أسميناه آلية تموز، لقبض الرواتب على أساس سعر صرف 8000 ليرة، فصار القاضي الذي يأخذ مرتب 6 مليون على سبيل المثال، يحصل بالتالي على راتب يصل الى 20 مليون بموجب هذه الاتفاقية، ولكن للأسف تم اسقاط هذه الآلية جراء ضغوط عدة"، وبحسب القاضي، "إثر ذلك رفضنا الحل المعروض علينا بإمكانية صرف اعتماد 35 مليار ليرة كسلفة خزينة، لعدة أسباب أولها عدم الثقة بالحصول على السلفة وثانياً لأنها لا كفي اصلاً لأشهر عدة"، كما يؤكد القاضي.
ويتابع: "لا نقبل بأي طريقة لإسكاتنا او خداعنا اليوم، وعليه تداعى العدد الأكبر من القضاة للاعتكاف، ومستمرون الى حين تنفيذ المطالب". ويطالب القضاة بالحصول على "راتب حقيقي ضامن مرتبط بسعر الصرف الحقيقي، مع تعويض عن السنوات العجاف الثلاث ممكن تحديده بسهولة"، كما صدر في بيان أخير عن القضاة. ويتابع القاضي حديثه مشيراً الى انّه "لا قدرة اليوم على العمل اصلاً في ظل الظروف الحالية، لا كهرباء، لا تكييف، عقود النظافة منتهية، دورات المياه معطلة، لا يوجد محابر لمكنات الطباعة.. والحل باقتناع الجهات المعنية اليوم بانّ ما ارتكب بحق القضاة سيؤدي الى اقفال تام وكامل للعدلية، وليتحمل الجميع المسؤولية".
ورداً على اتهام القضاة بالتقصير في تسيير شؤون الناس ومتابعة احوالهم الطارئة وخصوصاً قضايا العنف بأشكاله كافة، يقول القاضي "نحن ايضاً نتعرض للعنف، ولا أتمكن من توفير أدنى مقومات العيش لأسرتي، ولا أستطيع انّ أجلب لهم قرطاسية ونحن على أبواب المدارس وبالدولار. نحن أصحاب قضية محقة وأصبحنا للأسف عاجزين عن مزاولة مهنتنا رغما عنا. أقول وانا مسؤول عن كلامي، هناك قضاة اليوم لم يعد لديهم أي مصدر للاستدانة، والدولة لم تفعل أي شيء لنا، ومن يطالب القضاة اليوم بالحس الإنساني، فليتفضلوا ويسمعوا معاناتنا ايضاً، وليذهبوا لمحاسبة من حرك وكر الدبابير لإسقاط آلية تموز. تفضلوا يا اهلي الموقوفين وأصحاب القضايا المستعجلة للحكومة والمعنيين بالمواجهة وليس امامنا".
من جهتها، تتابع وزارة العدل المستجدات القضائية من خلال اجتماعات متتالية مع الجسم القضائي، وتبحث الوزارة بإمكانية اصدار مرسوم السلفة التي تم تحويلها بقيمة 35 مليار ليرة من احتياط الموازنة ووضعها في عهدة صندوق تعاضد القضاة، في سعي لمعاودة القضاة لأعمالهم.
وتبقى النساء في مهب الشلل القضائي، ولسان حالهن: "الشكوى لغير الله مذلة".
المصدر: Lebanon24