شارل مالك! ماذا اقترفت يداك؟
لو كان بإمكان سياسيّي لبنان الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان، أن يسحبوا إسم اللبناني شارل مالك من بين أسماء واضعي شرعة حقوق الإنسان، لما قصّروا.
فنحن الذين آمنّا بحقوق الإنسان وافتخرنا بكون لبنان من واضعي شرعتها، نشهد في أيامنا هذه انتهاكات متتالية لهذه الحقوق تتميّز بالفضاحة والوقاحة التي لا يردعها شيئ ولا اعتبار لردود الفعل أو لوقفة اعتراضية من هنا أو مظاهرة هناك، إذ أن مرتكبي تلك الانتهاكات قد حصّنوا أفعالهم بخطابات الكراهية والتحريض العنصري ضد كل من اعتبروهم "غرباء" – من العمال الأجانب وعاملات المنازل واللاجئين السوريين والفلسطينيين - وبخطابات التحريض الطائفي فيما بين اللبنانيين رغم أنهم يحملون "الجينات" اللبنانية نفسها، وصولا إلى شحن الكراهية وبثّها بين أتباع الزعامات من داخل الطائفة الواحدة لا بل المذهب الواحد.
ها هو وزير العمل يخالف إجراءات سابقة اتخذتها الدولة اللبنانية لصالح اللاجئين الفلسطينيين لـ"تسهيل" إقامتهم المؤقتة في لبنان وتمكينهم من ممارسة حقّهم في العمل لتوفير الحد الأدنى من مقوّمات العيش.
ها هي الأجهزة الأمنية تنقضّ على كل لاجئ سوري أو فلسطيني أجبرته ظروف الحرب في بلده على اللجوء وأجبره فقره وحاجته إلى توفير الحد الأدنى من مقومات العيش إلى العمل في هذه المهنة أو تلك وفي ظروف استغلال قاسية.
ها هو رئيس الجمهورية يرد قانون أقره مجلس النواب لإعفاء أبناء اللبنانيات المتزوجات من الأجانب من الحصول على إجازات عمل لكي يتمكنوا من العمل في لبنان، وهو حق من أبسط الحقوق اعتبرناه في حينه بمثابة "رشوة" لعدم المطالبة بحقهم في الحصول على الجنسية اللبنانية.
وما من شك بأن هذه الانتهاكات بحاجة لضمان استمرارية حصانتها، شدّ العصب الطائفي، وهذا يتطلّب تمتين الهياكل والمؤسسات الدينية لكي تستمر في إحكام قبضتها على أتباعها ومحاربة كل من تخوّله نفسه الخروج عن طاعة تلك المؤسسات.
ها هم الأولياء على هذه المؤسسات الدينية يقفون سداً منيعاً أمام إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية كي يحافظوا على الانضباط التام لأتباعهم.
ها هم رجال الدين يُدعون إلى المجلس النيابي لإبداء رأيهم في التعديلات المطروحة على القانون 293 المتعلق بحماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف الأسري، منهم من طرح إعادة البحث في القانون من أساسه ومنهم من يريد أن تتوسع صلاحية محاكمه ليصدر قرارات حماية هي في الأساس من مهام القضاء المدني.
ها هم رجال الدين يمددون صلاحيتهم ليتغلغلوا في مسام حياتنا العامة بعد أن أحكموا الطوق على حياتنا الخاصة، فيتدخلوا مع الأجهزة الأمنية والقضائية ليمنعوا عرض فيلم من هنا وحفلة فنيّة من هناك.
ها هي القاضية "المدنية" تحيل مجموعة فنيّة إلى "مطران" أحد المذاهب لكي يتلو أعضاؤها فعل الندامة أمامه عما "اقترفوه" حينما مارسوا حقّهم بالتعبيرعن أفكارهم وحاولوا الخروج من القالب الذي وضعنا النظام اللبناني فيه.
ولائحة الأحداث والخطابات والقرارات الكارهة والعنيفة والذكورية والعنصرية والطائفية تطول. ماذا تبقّى لمن يدعو الى العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ويسعى الى إقامة دولة القانون في هذه الغابة التي نعيش فيها؟ التمّسك بهذه المبادئ وتكرار المطالبة بها وعدم التوقف عن العمل، وهذا صوناً لإنسانيتنا بالدرجة الأولى.